هذا.. ولکن رغم کل تلک المؤامرات و الدسائس الرامیة الى الحط من الامام الجواد «علیهالسلام» فى المناسبات المختلفة، فان الامام صلوات الله و سلامه علیه قد بقى القمة الشامخة، التى لم تنل منها العوادى، و لم تدنسها أهواء المبطلین، حتى لیقول النص التاریخى:
«احتال المأمون على أبىجعفر «علیهالسلام» بکل حیلة، فلم یمکنه فیه شىء»(1)
نعم.. لم یمکنه من شىء، و کان «علیهالسلام» یزداد عظمة و تألقا، و یزید أمره تجذرا و رسوخا، بشکل مرعب و مخیف لطلاب الدنیا، و على رأسهم المأمون و العباسیون، و من تابعهم، و شایعهم، و قد استطاع «علیهالسلام» أن یجتاز بالامامة و الأمة ذلک المخاض الصعب و المجهد، التى تعرضت له، على أحسن و أفضل ما یمکن، فرکز دعائم الدین، و أقام الحجة، و أنار السبیل للمدلجین. و تجسد فیه قول أبیه الامام المعصوم، على بن موسى الرضا صلوات الله و سلامه علیه بصورة تامة و جلیة:
«هذا المولود الذى لم یولد فى الاسلام أعظم برکة منه»(2)
و على حسب نص آخر: «هذا المولود، الذى لم یولد مولود أعظم على
شیعتنا برکة منه»(3)
کما أننا نقرأ فى زیارته علیه الصلاة والسلام: «هادى الأمة، و وارث الأئمة، و خازن الرحمة، و ینبوع الحکمة، و قائد البرکة، و عدیل القرآن فى الطاعة، و واحد الأوصیاء فى الاخلاص و العبادة. و حجتک العلیا، و مثلک الأعلى، و کلمتک الحسنى، الداعى الیک، و الدال علیک، الذى نصبته علما لعبادک، و مترجما لکتابک، و صادعا بأمرک، و ناصرا لدینک، و حجة على خلقک، و نورا تخرق به الظلم، و قدوة تدرک بها الهدایة، و شفیعا تنال به الجنة الخ..»(4)
نعم.. و لم یزل أمر الامام «علیهالسلام» یعلو، و نجمه یتألق، حتى أصبح – على صغر سنه – یقر له بالعلم و الفضل المؤالف و المخالف، و العدو و الصدیق.
و لربما تکون تلک المجالس التى کانت السلطة وراء اقامتها قد ساهمت فى اظهار علمه و فضله، و انتشار صیته «علیهالسلام» الى حد بعید..
و من یراجع حادثة التزویج یجد الثناء العظیم علیه – و کان عمره آنئذ تسع سنین – حیث یذکر المأمون أیضا: أنه «انما اختاره لتمیزه على کافة أهل
الفضل علما، و معرفة، و حلما، على صغر سنه».
کما أنه: «لم یزل مشغوفا به، لما ظهر له بعد ذلک من فضله و علمه، و کمال عظمته، و ظهور برهانه، مع صغر سنه»(5)
و قال سبط ابنالجوزى: «و کان على منهاج أبیه فى العلم، و التقى، و الزهد، و الجود»(6)
کما أن الجاحظ المعتزلى العثمانى النزعة، و المنحرف عن الامام على «علیهالسلام» و أهل بیته الأطهار، والذى کان یعیش فى البصرة، کان طویل الباع، و واسع الاطلاع، و قد کتب فى کثیر من الفنون، التى کانت شائعة فى عصره، والذى کان معاصرا للامام الجواد، و لأبنائه من بعده «علیهمالسلام»..
الجاحظ هذا – قد جعل الامام الجواد علیه الصلاة والسلام: «من الذین یعد من قریش، أو من غیرهم، ما یعد الطالبیون فى نسق واحد، کل واحد منهم: عالم زاهد، ناسک، شجاع، جواد، طاهر، زاک، فمنهم خلفاء، و منهم مرشحون: ابن ابن، ابن ابن، هکذا الى عشرة، و هم:
الحسن بن على، بن محمد، بن على، بن موسى، بن جعفر، بن محمد، بن على، بن الحسین، بن على.
و هذا لم یتفق لبیت من بیوت العرب، و لا من العجم الخ..»(7)
و قال على جلال الحسینى: «برز على أهل زمنه فى العلم، و الفضل، مع صغر سنه»(8)
و قال محمود بن وهیب البغدادى الحنفى: «و هو الوارث لأبیه علما و فضلا، و أجل اخوته قدرا و کمالا»(9)
و کلمات العلماء فى هذا المجال کثیرة لا مجال لتتبعها(10)
1) الکافى ج 1 ص 413 و المناقب لابنشهرآشوب ج 4 ص 396 و البحار ج 50 ص 61.
2) البحار ج 50 ص 20 عن الخرائج و الجرائح.
3) اعلام الورى ص 347 و الارشاد للمفید ص 358 و الکافى ج 1 ص 258 و البحار ج 50 ص 23 و 35 عمن تقدم، و روضة الواعظین ص 237 و الصراط المستقیم ج 2 ص 167 و اثبات الوصیة ص 211.
4) مفاتیحالجنان ص 481 عن ابنطاووس فى المزار، و مصابیح الجنان ص 323.
5) راجع: الفصول المهمة لابنالصباغ المالکى ص 254 و 253 و الصواعق المحرقة ص 204 و نورالأبصار ص 161 و روضة الواعظین ص 237 و کشف الغمة ج 3 ص 143 و 160 و اعلام الورى ص 350 – 351 و الارشاد للمفید، و غیر ذلک مما تقدم فى حدیث الزواج.
6) تذکرة الخواص ص 358 – 359 و عنه الامام الجواد لمحمد على دخیل ص 72.
7) آثار الجاحظ ص 235، و الحیاة السیاسیة للامام الرضا ص 403 و لیراجع ما هناک من التوضیح.
8) الامام محمد الجواد، لمحمد على دخیل ص 76 عن کتاب الحسین ج 2 ص 207.
9) المصدر السابق عن جوهرة الکلام ص 147.
10) راجع على سبیل المثال: الارشاد للمفید، و اعلام الورى، و أعیان الشیعة ج 2 ص 33، و الفصول المهمة للمالکى ص 251.