جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

العقرب تعود من جدید

زمان مطالعه: 3 دقیقه

و لم یقف الأمر عند حد ما جرى بین الامام «علیه‏السلام» و المأمون و العباسیین، و لا عند حد ما جرى بین الامام و المأمون و یحیى بن أکثم، حینما أراد أن یقطع الامام ولو فى مسألة واحدة..

بل عادت العقرب للظهور من جدید، فى ثوب یحیى بن أکثم لیطرح مسائله على الامام. و کأنى به «علیه‏السلام» یبتسم آنئذ بمرارة و سخریة، و لسان حاله یقول:

ان عادت العقرب عدنا لها

و کانت النعل لها حاضرة

و قد کان «علیه‏السلام» یعلم: أن هذه المحاولات ستزید المأمون خزیا و حقدا..

و قد جاءت الأسئلة هذه المرة ذات طعم خاص، و نکهة خاصة، اذ انها ترتبط بفضائل أبى‏بکر و عمر – و ذلک بحضور جماعة کثیرة، و فیهم المأمون نفسه..

فقد روى: أن المأمون بعد ما زوج ابنته أم‏الفضل أباجعفر «علیه‏السلام»، کان فى مجلس، و عنده أبوجعفر «علیه‏السلام»، و یحیى بن أکثم و جماعة کثیرة، فقال له یحیى بن أکثم:

ما تقول یابن رسول‏الله فى الخبر الذى روى أنه: «نزل جبرئیل «علیه‏السلام» على رسول‏الله «صلى الله علیه و آله»، و قال: یا محمد، ان الله عزوجل یقرؤک السلام، و یقول لک: سل أبابکر، هل هو عنى راض، فانى عنه راض؟!».

فقال أبوجعفر: لست بمنکر فضل أبى‏بکر، ولکن یجب على صاحب هذا الخبر أن یأخذ مثال الخبر الذى قاله رسول‏الله «صلى الله علیه و آله» فى حجة الوداع: لقد کثرت على الکذابة، و ستکثر بعدى، فمن کذب على متعمدا، فلیتبوأ مقعده فى النار، فاذا أتاکم الحدیث عنى فاعرضوه على کتاب الله و سنتى، فما وافق کتاب الله و سنتى فخذوا به، و ما خالف کتاب الله و سنتى فلا تأخذوا به..

و لیس یوافق هذا الخبر کتاب الله، قال الله تعالى: (و لقد خلقنا الانسان

و نعلم ما توسوس به نفسه و نحن أقرب الیه من حبل الورید)(1) فالله عزوجل خفى علیه رضا أبى‏بکر من سخطه حتى سأل عن مکنون سره؟!

هذا مستحیل فى العقول..

ثم قال یحیى بن أکثم: و قد روى: أن مثل أبى‏بکر و عمر فى الأرض، کمثل جبرئیل و میکائیل فى السماء؟!

فقال: و هذا أیضا یجب النظر فیه، لأن جبرئیل و میکائیل ملکان لله، لم یعصیا الله قط، و لم یفارقا طاعته لحظة واحدة، و هما قد أشرکا بالله عزوجل، و ان أسلما بعد الشرک، فکان أکثر أیامهما فى الشرک بالله، فمحال أن یشبههما بهما..

قال یحیى: و قد روى أیضا: أنهما سیدا کهول أهل الجنة، فما تقول فیه؟

فقال «علیه‏السلام»: و هذا الخبر محال أیضا، لأن أهل الجنة کلهم یکونون شبابا، و لا یکون فیهم کهل..

و هذا الخبر وضعه بنوأمیة لمضادة الخبر الذى قال رسول‏الله «صلى الله علیه و آله» فى الحسن و الحسین «سیدا شباب أهل الجنة»..

فقال یحیى بن أکثم: و روى: أن عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة.

فقال «علیه‏السلام»: و هذا محال أیضا، لأن فى الجنة ملائکة الله المقربین، و آدم، و محمد، و جمیع الأنبیاء و المرسلین، لا تضى‏ء الجنة بأنوارهم حتى تضى ء بنور عمر؟!

فقال یحیى: و قد روى: أن السکینة تنطق على لسان عمر.

فقال «علیه‏السلام»: لست بمنکر فضائل عمر، ولکن أبابکر أفضل من عمر، فقال على رأس المنبر: «ان لى شیطانا یعترینى، فاذا ملت فسددونى»..

فقال یحیى: قد روى أن النبى «صلى الله علیه و آله» قال: لو لم أبعث لبعث عمر.

فقال «علیه‏السلام»: کتاب الله أصدق من هذا الحدیث،یقول الله فى کتابه: (و اذ أخذنا من النبیین میثاقهم و منک و من نوح)(2) فقد أخذ الله میثاق النبیین، فکیف یمکن أن یبدل میثاقه؟!

و کل الأنبیاء لم یشرکوا بالله طرفة عین، فکیف یبعث بالنبوة من أشرک، و کان أکثر أیامه مع الشرک بالله..

و قال رسول‏الله «صلى الله علیه و آله»: نبئت و آدم بین الطین و الجسد.

فقال یحیى بن أکثم: و قد روى: أن النبى «صلى الله علیه و آله» قال: ما احتبس عنى الوحى قط الا ظننته قد نزل على آل الخطاب.

فقال «علیه‏السلام»: و هذا محال، لأنه لا یجوز آن یشک النبى «صلى الله علیه و آله» فى نبوته، قال الله تعالى: (الله یصطفى من الملائکة رسلا و من الناس)(3) فکیف یمکن أن تنتقل النبوة ممن اصطفاه الله تعالى الى من أشرک به؟!

قال یحیى: روى أن النبى «صلى الله علیه و آله» قال: لو نزل العذاب لما نجا منه الا عمر..

فقال «علیه‏السلام»: و هذا محال أیضا: لأن الله تعالى یقول: (و ما کان الله لیعذبهم و أنت فیهم و ما کان الله معذبهم و هم یستغفرون)(4) فأخبر سبحانه أنه لا یعذب أحدا ما دام فیهم رسول‏الله «صلى الله علیه و آله»، و ما داموا یستغفرون..(5)


1) الآیة 16 من سورة ق.

2) الآیة 7 من سورة الأحزاب.

3) الآیة 75 من سورة الحج.

4) الآیة 33 من سورة الأنفال.

5) هذه الروایة فى الاحتجاج ج 2 ص 248 – 245 و البحار ج 50 ص 83 – 80.