و قد عرفنا فیما سبق: أن المأمون کان یهتم بجمع العلماء، و أرباب الکلام، من أهل الفرق والملل، لیناظروا الامام الرضا «علیهالسلام»، على أمل أن یقطعه واحد منهم، و لو فى مسألة واحدة..
و قد کثرت هذه المناظرات و زادت، ولکن حصادها کان هو اظهار عظمة الامام، و الخیبة و الخزى لأعدائه، و المأمون منهم، فندم المأمون حیث لا ینفعه الندم، ثم اقترف جریمته النکراء بحق الامام الرضا «علیهالسلام»، حسبما هو معروف و مشهور..
والآن.. فلماذا لا یجرب هذا الأسلوب مرة أخرى مع ولده الجواد، الذى ظن: أنه بسبب صغر سنه، لا خبرة له بأسالیب الکلام، و لا معرفة له بدقائق الحقائق، و لم تکفه اجابة الامام على سؤاله عما صاده البازى الأشهب.. فلعلها کانت رمیة من غیر رام.. و لعل.. و لعل..
و تجربة واحدة، لو أحکم تدبیرها، و وضعت الخطة له بدقة و عنایة، فلربما تنهى هذا الأمر، و تضع حداً لجمیع المشاکل المحتملة، و تقضى على مصدر کل المتاعب و الأخطار، و الى الأبد..
و ان لم تنجح هذه التجربة، بتحقیق هذا الهدف الکبیر، فان بامکانها أن تحقق قسطا هاما من التقدم فى هذا السبیل..
و خاض المأمون غمار هذا الحدث، بکل ما لدیه من حنکة و دهاء، و رصد لها کل ما یملک من رصید معنوى و سیاسى، و نفذها بعنایة فائقة، و دقة لا تجارى..
ولکن هل استطاع المأمون أن یؤمن حتى الحد الأدنى من النجاح فى هذا المجال؟!
هذا ما سوف یتضح لنا فیما یلى من صفحات..