و بعد.. فان سؤالا یبقى یتردد حائرا هنا، و هو: ماذا عساه کان سیفعل لو أنه لم یجد عند هذا الصبى الصغیر، الجواب الکافى، والشافى على سؤال عن أمر غیبى، بکل ما لکمة الغیب من معنى؟!.. و لا یمکن أن تناله العقول، و لا تهتدى الیه الافکار؟!
فهل سیقتله – کما صرح به النص المتقدم على لسان المأمون نفسه، حیث قال: «قد دنا حتف ذلک الصبى على یدى».
نعم.. یقتله لیشتهر بین الکافة، فى أرجاء العالم الاسلامى بأسره: أن سبب قتله هو جرأته و ادعاؤه ما لیس له، ثم عجزه عن الاجابة الصحیحة فى أمر یدعى لنفسه العلم به. و لیبطل من ثم أمر الامامة فیه، و فى ولده من بعده، و حتى من آبائه من قبل..
و ذلک لأن هدفه الأول و الأخیر، هو: تکذیب أن هذا الأمر فیهم.. کما ألمح الیه هو نفسه بقوله: «صدقت، و صدق أبوک، و صدق جدک، و صدق ربک»..
حیث ان هذا الکلام یتضمن اعترافا ضمنیا له: بأن لدیه «علیهالسلام» ذلک العلم الخاص الذى یدعیه لنفسه، و أنه تلقاه من أبیه، عن جده، عن ربه سبحانه..
أم أن قوله بأنه سیقتله، کان نزوة عارضة، لا تعکس الرأى السیاسى الهادى و لاسیما لرجل معروف بمکره و عظیم دهائه مثل المأمون؟!.. بل ان رأیه النهایى و الأخیر فیه و الحالة هذه هو: أن یبقیه هکذا.. فارغا من معنى
الامامة، و من خصائصها، لیکون سندا قویا، و حجة دامغة، على کل من یحاول أن یدعى ذلک له، أو لأحد من أهل البیت «علیهمالسلام» فى مختلف الظروف و الأحوال..
و بذلک ینتهى أمره و أمر أهل البیت معه، و یضمحل و یتلاشى أتباعه و محبوه، و أتباعهم و محبوهم، بصورة طبیعیة، و من دون أى جهد، أو عناء؟
لا ندرى.. و لعل الفطن الذکى و الخبیر بمکر المأمون و أحابیله هو الذى یدرى.
و یلاحظ هنا: أن الامام الجواد «علیهالسلام» کان – کجده على أمیرالمؤمنین «علیهالسلام» – یظهر فى مناسبات کثیرة: علم الامامة، الذى تلقاه عن آبائه «علیهمالسلام»، عن رسولالله «صلى الله علیه و آله»، عن جبرئیل «علیهالسلام»، عن الله سبحانه، فکان یکثر من الاخبارات الغیبیة، أو یتخذ موقفا یشیر الى ذلک، سواء مع شیعته، أم مع غیرهم، فراجع حیاته و سیرته(1)
و من ذلک قصته مع الفاصد.. حیث أمره «علیهالسلام» بأن یفصده فى العرق الزاهر، فراجع(2)
1) راجع على سبیل المثال: البحار ج 50 ص 9 و 38 و 46 – 44 و 54 و 57 و 60 و 61 و 63 و 67 – 65.
2) البحار ج 50 ص 57 عن المناقب لابنشهرآشوب، عن کتاب معرفة ترکیب الجسد للحسین بن أحمد التیمى.