و مهما یکن من أمر.. فان محاولة ابقاء الامام «علیهالسلام» فى بغداد، بالقرب من الخلیفة، و تحت نظره – و التى نجح فیها المأمون جزئیا على الأقل – لسوف تکون مفیدة جدا للمأمون، و نظام حکمه، لأن بقاءه هذا من شأنه أن یسهل علیهم جعله تحت الرقابة المستمرة، و رصد کل تحرکاته،
و مواقفه، ثم تطویقها بسرعة، ان وجدوا فیها أى ضرر، أو خطر.
و کذلک.. فان ذلک یمکنهم من قطع صلاته بشیعته، و قطع صلاتهم به، أو التقلیل منها الى حد کبیر.. اذ من الطبیعى أنه اذا أحیط الامام «علیهالسلام» بهالة الحکم، و أبهة الملک، فان ذلک سیجعل الکثیرین یتهیبون الاتصال به بصورة عفویة. و بالأخص أولئک الذین لا یرغبون بتعریض أنفسهم، و علاقاتهم بالأئمة علیهم الصلاة و السلام للأضواء الکاشفة من قبل السلطة الغاشمة..
و أیضا.. فلربما کان المأمون یأمل فى أن یتمکن من خلال محاولاته و أسالیبه الاغرائیة أو الاغوائیة، أو الترهیبیة من أن یقنع الامام فى المستقبل، بأن یکون دعاؤه له و لدولته، هذا الأمل نفسه الذى کان یراوده بالنسبة لأبیه الامام الرضا «علیهالسلام» من قبل، کما أوضحناه فى کتابنا: «الحیاة السیاسیة للامام الرضا «علیهالسلام»»..
أضف الى ذلک: أنه باظهاره المحبة، و التبجیل، و الاکرام و التعظیم للامام «علیهالسلام»، یکون قد قدم دلیلا لربما ینطلى على الکثیرین، یثبت به حسن نوایاه تجاة الأئمة «علیهمالسلام»، و یبرئه الى حدما من دم الامام الرضا صلوات الله و سلامه علیه.
کما أنه یکون قد أثبت للملأ من الشیعة: أنه لا یرى فى خطهم تناقضا مع خطه، و لا مع موقفه، کحاکم، و کسلطان، الأمر الذى قد یبعث فى قلوبهم بعض الاحساس بالأمان من جهته..
و کذلک.. فانه اذا استطاع أن یجعل الامام «علیهالسلام»، الذى کان
فى مقتبل عمره، یعیش حیاة اللذة و الرفاهیة، و الدعة، فلربما یؤثر ذلک على طموحاته و آماله «علیهالسلام»، و من ثم على مواقفه.. و أخیرا على مجمل تصوراته و أفکاره، و أسلوب حیاته، حسبما أشیر الیه فیما نقل عن الحسین المکارى آنفا..
نعم.. ان ذلک أوجله، و لربما بالاضافة الى أمور أخرى کان محط نظر المأمون.. و ان کان قد فشل فى تحقیق کامل آماله و فى الوصول الى جمیع أهدافه، کما سنرى..