و بعد.. فان ما تجدر الاشارة الیه، و یتمیز بأهمیة خاصة هنا، هو: أن المعتزلة کانوا فى تلک الفترة بالذات فى مرحلة نضجهم، و تکامل مدرستهم من الناحیة الفکریة..
و قد رأت السلطة آنئذ: أن من مصلحتها أن تؤیدهم، و تشد من أزرهم، و تستفید من موقعها السلطوى، و من نفوذها، و سائر ما تملک من قدرات، مادیة و معنویة، فى مجال ترسیخ و تثبیت خطهم، و ضرب الفئات، الأخرى بهم، و تحطیهم نفوذها، و زعزعة موقعها، بنحو، أو بآخر من خلالهم..
و خط الاعتزال هذا: یکاد یکون متطرفا الى حد کبیر فى اعتماده على العقل و قبول أحکامه، و رفض کل ما لا یتوافق معه، فکانوا یقیسون النصوص الدینیة على العقل، فما أیده بشکل صریح قبلوه، و ما عداه ردوه و رفضوه، أو تصرفوا به و أولوه.
و یقصدون بالعقل هو عقولهم هذه؛ القاصرة عن الوصول الى حقائق الأمور، والتى تعتمد على وسائل ادراک، تبقى محدودة المجالات، کما أن عقولهم هذه لا تملک أیة ضمانة من أن تتعرض للقهر و الابعاد من قبل سلطان الهوى، و نوازع الشهوة، و داعى الغریزة، و طغیان العاطفة، و ما الى ذلک..