و بعد کل ما تقدم.. و اذا کان حتى بعض کبار العلماء و الفقهاء، و رجال الفکر فى الطائفة قد عرضت لهم أمثال هذه التساؤلات، فى مثل هذه الامور الدقیقة و الصعبة، و لو لفترة وجیزة، و ذلک فى اللحظات الأولى من حدوث الأمر..
و اذا کان هؤلاء أیضا قد اختلفوا فیما بینهم – و لو بصورة محدودة – فیما أشرنا الیه من تفاصیل..
فان حال العامة من الناس تصبح أکثر وضوحا فى تلک الفترة، حیث سیکون من الصعب اقناعهم بأن طفلا ناشئا، لا یتجاوز عمره الثمانى سنوات – على أبعد التقادیر – یتحمل مسؤولیة قیادة الأمة، و هدایتها، و باستطاعته أن یحل مشاکلها على أفضل وجه، و أتمه، و أن یواجه مختلف
التحدیات و الأخطار، و یتجاوزها بحنکة، و وعى، و مسؤولیة!!
و لو فرض: أن هذا الجیل قد تمکن من اجتیاز هذا المخاض العسیر، بسبب ما یملکه من رصید عاطفى، و من وعى نشأ عن رؤیة المعجزات و الکرامات و خوارق العادات، للأئمة صغارا و کبارا، ثم ما اجتمع لدیهم – لأسباب مختلفة – من رواسب فکریة، و عقائدیة، نشأوا و ترعرعوا علیها، حتى أصبحت منسجمة مع الترکیبة الذهنیة و الحیاتیة لهم فى الحالات الطبیعیة، التى تکون فیها عادة أقوى منها فى غیرها..
نعم.. لو فرض ذلک: فأن هذا الحدث لسوف یستمر، ربما لعقود من الزمن، حیث سیتکرر من جدید، بالنسبة للامام الهادى علیه الصلاة والسلام، الذى یخلف الامام الجواد صلوات الله و سلامه علیه مباشرة.
ثم لحفیده الامام المهدى، و هو الحجة المنتظر صلوات الله و سلامه علیه.
مما یعنى: أن هذه الحالة المتمیزة لسوف تتعدى هذا الجیل السابق الى جیل ناشىء جدید، ربما لم تتمکن فیه الرواسب العقیدیة، و لا ارتبط بمسألة الامامة ارتباطا عاطفیا عمیقا.. و انما تعامل معها فى أجواء من الریب و الشک، منذ اللحظات الأولى التى عایشها، أو تفاعل معها فیها..
فهو لا یملک أیة مناعة أو حصانة فى مقابل هذا الزلزال، التى یتعرض له من الداخل، و بالذات.. من الأعماق..
و هذا مما یزید: فى معاناة هذه الطائفة و یجعلها أمام مخاض أصعب، و فى مواجهات أوسع، و أشد، و أعتى، من داخلها أولا، ثم ما سوف تتعرض له
من مواجهات کثیرة و متنوعة، من الخارج أیضا..