و بعد ذلک.. فان الشیعة الذین اعتقدوا بامامة الجواد علیه الصلاة والسلام، قد اختلفوا فى مصدر علمه..
فقال بعضهم: انه یتلقى علومه من کتب أبیه، و ما رسم له فیها من الأصول و الفروع.
و قال آخرون: انه لم یتعلم من أبیه؛ لأنه حمل الى خراسان، و هو ابن أربع سنین و أشهر.
نعم.. عند بلوغه یهىء الله له أسباب العلم، کالالهام، و النکت بالقلب، و الرؤیا الصادقة، و غیر ذلک.
و قالت فرقة: یمکن أن یعلم بکلا الطریقتین(1)
و ذلک ان دل على شىء فانما یدل على أن هذا الحدث – و ان لم یکن قد أثر على اعتقاد جمهور الشیعة فى أصل الامامة، لأنهم کانوا على درجة عالیة
من المعرفة والوعى، و على بینة من أمرهم، فیها، الا أنه قد اتخذ ذریعة لتأکید الشبهة لدى تلک القلة التى کانت قد وقفت على الامام الکاظم «علیهالسلام»، أو قالت بامامة أحمد بن موسى کما أشرنا الیه، فراحوا بسبب ضعفهم یتخبطون خبط عشواء، فى اللیلة المطیرة الظلماء.
و مهما یکن من أمر.. فان کلام الریان بن الصلت و غیره، یعطى: أن جمهور الشیعة کانوا یعتقدون: بأن صغر سنه علیه التحیة والسلام لا یؤثر على قدرته على تلقى العلوم و المعارف، ما دام أن علمه وراثى الهى الهامى..
هذا بالاضافة الى تصریح بعض الروایات: بأنه «علیهالسلام» قد تلقى قسطا من علومه من أبیه مباشرة رغم صغر سنه(2)
و ما یمنعه من ذلک.. ما دام أن الله سبحانه هو الذى اصطفاه، و هو الذى یؤهله لهذا المقام السامى، و کما استطاع عیسى أن یکون نبیا، و هو فى المهد، و قد آتاه الله الکتاب، و جعله نبیا، و آتى الله یحیى بن زکریا الحکم صبیا.. فلماذا لا یؤتى هذا الامام العظیم القدرة على التعلم من أبیه جمیع علوم الامامة فى خلال وقت یسیر جدا، فضلا عن أربع سنوات؟ و فى حال صغر سنه؟!
1) راجع: فرق الشیعة ص 99 – 98، و المقالات و الفرق ص 98 – 97 و نظریة الامامة ص 392 – 391.
2) اثبات الوصیة ص 210.