ولکن رغم ذلک کله: فانه اذا کانت معرفة العصمة و الطهارة، ثم معرفة من أودعه الله علوم الامامة، یمکن أن تتم بواسطة النص المباشر، و وضع هذا النص فى متناول أیدى الناس، فکان کل امام ینص على الامام الذى بعده، و یدل طائفة من خواصه علیه..
لکن من الواضح: أن الشیعة یعرفون أیضا أن شدة ملاحقة السلطان لهم، و رصده لکل حرکاتهم، قد یبلغ حدا یجعل من وضوح النص على الامام اللاحق خطرا على حیاته، فتدعوا الحاجة الى التکتم على اسمه، و عدم البوح به الى أکثر الناس، و لابد من اعطاء الناس القاعدة التى تدلهم على الامام «علیهالسلام» بصورة قاطعة. لکى لا تشتبه الأمور علیهم، و لکى لا یفسح المجال للمزیفین لا دعاء هذا المقام الالهى، فکانت أهم قاعدة تفیدهم
فى ذلک هو امتلاک الامام علم الامامة، و هو علم خاص، یؤثره الله به دون سائر الخلق، حتى و هو طفل صغیر، و قد استفاد الشیعة من هذه القاعدة فى التعرف على الامام الحق فى أکثر من مورد و مقام، خصوصا بعد استشهاد الامام الرضا «علیهالسلام» أیضا، فکانت الوسیلة الى ذلک، هى:
الامتحان بالأسئلة التى لا تعلم أجوبتها باعمال الفکر، بل تحتاج الى التعلم، أو الى الأخذ من مصدر الفیض و اللطف، بطرق تشى بالارتباط به سبحانه و تعالى.. و ذلک مثل الأسئلة الفقهیة، و قد تلحق بها بعض المعارف الاعتقادیة التوقیفیة و غیرها، أو بظهور المعجزات، و الکرامات الباهرة.
فاذا أخبرهم بما لا سبیل الى العلم به الا بتعلیم من الله عزوجل، أو أظهر الله له الکرامة التى تعرفهم على أنه مورد عنایته تعالى، فان ذلک یکون هو الدلالة القاطعة على امامة الامام المنصوص علیه کما هو معلوم.
و بسبب وضوح هذا الأمر لدى شیعة أهل البیت «علیهمالسلام»، فانهم «سرعان ما یکتشفون حقیقة من یدعى الامامة زورا، و یفتضح أمره، و یشتهر بکذبه، کما کان الحال بالنسبة لعبدالله الأفطح، ابن الامام جعفر الصادق «علیهالسلام»، الذى ادعى الامامة لنفسه بعد الامام الصادق «علیهالسلام». و لم یکن صادقا فى دعواه..
و کما کان الحال أیضا بالنسبة لجعفر ابن الامام على الهادى «علیهالسلام»، الذى ادعى الامامة لنفسه بعد أخیه الحسن العسکرى «علیهالسلام»، فان أمرهما قد افتضح بسرعة. حتى ان أولاد هذا الأخیر أنفسهم، لم یقبلوا بامامته، و قالوا بامامة المهدى عجل الله تعالى فرجه الشریف.
و کان منهم علماء کثیرون، و بعضهم من أعیان الطائفة الامامیة. فان الشیخ الطوسى أو المفید رحمهما الله تعالى (على ما ببالى) لم یذکر فى أبیهم جعفر، کبیر طعن، احتراما منه لولده رضى الله عنهم..».
و نجد فى المقابل: التسلیم و القبول لدى جمهور الشیعة بامامة الجواد علیه الصلاة والسلام. حتى ان عم أبیه على بن جعفر قد کان من کبار العلماء و من الأجلة، و کان شیخا کبیر السن، یظهر للامام الجواد «علیهالسلام» – على صغر سنه – الکثیر من الاحترام و التبجیل على اعتبار أن الله تعالى قد اختصه بالامامة، الأمر الذى جعل البعض یتعجب و یعترض علیه لذلک؛ فیسمع منه الجواب الذى یؤکد هذا المعنى أیضا..(1)
1) راجع: البحار ج 50 ص 36 و 104 و الکافى ج 1 ص 258 و رجال الکشى ص 429 و 430 و قاموس الرجال ج 6 ص 436 و 437 و سیأتى النص بتمامه فى آخر الفصل الثالث، ان شاء الله تعالى.