جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

من فلسفته و علمه

زمان مطالعه: 29 دقیقه

قال علیه‏السلام:

– ینبغى لمن عقل عن الله، أن لا یستبطئه فى رزقه، و لا یتهمه فى قضائه.

– سئل عن الیقین، فقال علیه‏السلام: یتوکل على الله، و یسلم لله، و یرضى بقضاء الله، و یفوض الى الله.

– قال عبدالله بن یحیى: کتبت الیه فى دعاء: الحمدلله منتهى علمه، فکتب علیه‏السلام: لا تقولن منتهى علمه، ولکن قل: منتهى رضاه.

– و سأله رجل عن الجواد، فقال علیه‏السلام: ان لکلامک وجهین: فان کنت تسأل عن المخلوقین، فان الجواد الذى یودى ما افترض الله علیه، و البخیل من یبخل بما افترض الله. و ان کنت تعنى الخالق، فهو الجواد ان أعطى، و هو الجواد ان منع، لأنه ان أعطاک أعطاک ما لیس لک، و ان منعک منعک ما لیس لک(1)

– و قال له و کیله: والله ما خنتک. فقال علیه‏السلام له: خیانتک، و تضییعک على مالى سواء،و الخیانة شرهما علیک.

– قال علیه‏السلام: ایاک أن تمنع فى طاعة الله، فتنفق مثلیه فى معصیة الله.

– المؤمن مثل کفتى المیزان، کلما زید فى ایمانه، زید فى بلائه.

– و قال علیه‏السلام على قبر حضره: ان شیئا هذا آخره خلیق أن یزهد فى أوله. و ان شیئا هذا أوله لخلیق أن یخاف آخره»(2)

– و قال علیه‏السلام: من تکلم فى الله هلک، و من طلب الرسالة هلک، و من دخله العجب هلک.

– و قال علیه‏السلام: اشتدت مؤونة الدنیا والدین. فأما مؤونة الدنیا فانک لا تمد یدک الى شى‏ء منها الا وجدت فاجرا قد سبقک الیه، و أما مؤونة الآخرة فانک لا تجد أعوانا یعینونک علیها(3)

– و قال علیه‏السلام: أربعة من الوسواس: أکل الطین، وفت الطین – أى سحقه بین الأصابع – وتقلیم الأظافر بالأسنان، و أکل اللحیة. و ثلاث یجلین البصر: النظر الى الخضرة، و النظر الى الماء الجارى، و النظر الى الوجه الحسن.

– لیس حسن الجوار کف الأذى، ولکن حسن الجوار الصبر على الأذى.

– لا تذهب الحشمة بینک و بین أخیک، و أبق منها، فان ذهابها ذهاب الحیاء.

– قال علیه‏السلام لبعض ولده: یا بنى، ایاک أن یراک الله فى معصیة نهاک عنها، و ایاک أن یفقدک الله فى طاعة أمرک بها. و علیک بالجد، و لا تخرجن نفسک من التقصیر فى عبادة الله و طاعته، فان الله لا یعبد حق عبادته. و ایاک و المزاح فانه یذهب بنور ایمانک و یستخف مروتک. و ایاک و الضجر و الکسل، فانهما یمنعان حظک من الدنیا و الآخرة.

– و قال علیه‏السلام: لیس القبلة على الفم الا للزوجة و الولد الصغیر.

– و قال علیه‏السلام: اجتهدوا فى أن یکون زمانکم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله، و ساعة لأمر المعاش، و ساعة لمعاشرة الاخوان والثقات الذین یعرفونکم عیوبکم و یخلصون لکم فى الباطن، و ساعة تخلون فیها للذاتکم فى غیر محرم. و بهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات!. لا تحدثوا أنفسکم بفقر و لا بطول عمر، فانه من حدث نفسه بالفقر بخل، و من حدث بطول العمر یحرص… اجعلوا لأنفسکم حقا من الدنیا باعطائها ما تشتهى من الحلال و ما لا یثلم المروة و مالا سرف فیه، و استعینوا بذلک على أمور الدین، فانه روى: لیس منا من ترک دنیاه لدینه، أو ترک دینه لدنیاه.

– و قال علیه‏السلام: اذا کان الجور أغلب من الحق، لم یحل لأحد أن یظن بأحد خیرا حتى یعرف ذلک منه.

– تفقهوا فى دین الله، فان الفقه مفتاح البصیرة، و تمام العبادة، و السبب الى المنازل الرفیعة و الرتب الجلیلة فى الدین و الدنیا. و فضل الفقیه على العابد. کفضل الشمس على الکواکب!. و من لم یتفقه فى دینه، لم یرض الله له عملا.

– و قال علیه‏السلام لعلى بن یقطین: کفارة عمل السلطان، الاحسان الا الاخوان.

– کلما أحدث الناس من الذنوب ما لم یکونوا یعملون، أحدث الله لهم من البلاء ما لم یکونوا یعلمون!.(4)

– اذا کان الامام عادلا کان له الأجر و علیک الشکر، و اذا کان جائرا کان علیه الوزر و علیک الصبر.

– قال له أبوأحمد الخراسانى: الکفر أقدم أم الشرک؟.

فقال علیه‏السلام: ما لک و لهذا؟!. ما عهدى بک تکلم الناس.

قال: أمرنى هشام بن الحکم أن أسألک.

فقال: قل له: الکفر أقدم. أول من کفر ابلیس (أبى و استکبر و کان من الکافرین (34))(5) و الکفر شى‏ء واحد، و الشرک یثبت واحدا و یشرک معه غیره.

– و رأى رجلین یتسابان فقال علیه‏السلام: البادى‏ء أظلم، و وزره و وزر صاحبه علیه ما لم یعتد المظلوم.

– و قال علیه‏السلام: ینادى مناد یوم القیامة: ألا من کان له على الله أجر فلیقم. فلا یقوم الا من عفا و أصلح، فأجره على الله.

– السخى الحسن الخلق فى کنف الله. لا یتخلى الله عنه حتى یدخله الجنة. و ما بعث الله نبیا الا سخیا، و مازال أبى‏یوصینى بالسخاء و حسن الخلق حتى مضى.

– و قال علیه‏السلام لأحد أصحابه: أبلغ خیرا، و قل خیرا، و لا تکن امعة.

قال: و ما الامعة؟.

قال: لا تقل: أنا مع الناس، و أنا کواحد من الناس؛ ان رسول الله صلى الله علیه و اله و سلم قال: یا أیها الناس انما هما نجدان – أى طریقان -: نجد خیر، و نجد شر. فلا یکن نجد الشر أحب الیکم من نجد الخیر.

– و قال علیه‏السلام: لا تصلح المسألة الا فى ثلاثة: فى دم منقطع، أو غرم مثقل، أو حاجة مدقعة.

– تعجب الجاهل من العاقل، أکثر من تعجب العاقل من الجاهل(6)

– المصیبة للصابر واحدة، و للجازع اثنتان.

– یعرف شدة الجور من حکم به علیه(4)

– صلاة النوافل قربان الى الله لکل مؤمن، و الحج جهاد کل ضعیف. ولکل شى‏ء زکاة، و زکاة الجسد [الصیام و قیام] النوافل.

– أفضل العبادة بعد المعرفة انتظار الفرج.

– من دعا قبل الثناء على الله والصلاة على النبى صلى الله علیه و اله و سلم، کان کمن رمى بسهم بلا وتر.

– من أیقن بالخلف جاد بالعطیة و ان امرؤ اقتصد.

– التدبیر نصف العیش.

– التودد الى الناس نصف العقل.

– کثرة الهم یورث الهرم.

– العجلة هى الخرق.

– قلة العیال أحد الیسارین.

– من أحزن والدیه فقد عقهما.

– من ضرب بیده على فخذه، أو ضرب بیده الواحدة على الأخرى عند المصیبة فقد حبط أجره.

– المصیبة لا تکون مصیبة یستوجب صاحبها أجرها الا بالصبر و الاسترجاع عند الصدمة.

– الصنیعة لا تکون صنیعة الا عند ذى دین أو حسب.

– من اقتصد وقنع بقیت علیه النعمة، و من بذر و أسرف زالت عنه النعمة.

– أداء الأمانة، والصدق، یجلبان الرزق، و الخیانة و الکذب یجلبان الفقر و النفاق.

– الصنیعة لا تتم صنیعة عند المؤمن لصاحبها الا بثلاثة أشیاء: تصغیرها، و سترها، و تعجیلها. فمن صغر الصنیعة عند المؤمن فقد عظم أخاه، و من عظم الصنیعة عنده فقد صغر أخاه. و من کتم ما أولاه من صنیعة فقد کرم فعاله، و من عجل ما وعد فقد هنى‏ء العطیة(7)

سئل علیه‏السلام عن حد الاناء، فقال:

حده أن لا تشرب من موضع کسر ان کان به. فانه مجلس الشیطان فاذا

شربت سمیت، فاذا فرغت حمدت الله(8)

و قال علیه‏السلام: انما ینزل المعونة على القوم، على قدر مؤونتهم. و ان الضیف لینزل بالقوم فینزل رزقه معه فى حجره.(9)

و قال علیه‏السلام: والله ینزل المعونة على قدر المؤونة، و ینزل الصبر على قدر المصیبة… و اذا أراد الله بالنملة شرا أنبت لها جناحین، فطارت، فأکلها الطیر(4)

و قال علیه‏السلام: أولى العلم بک ما لا یصلح لک العمل الا به. وأوجب العمل علیک ما أنت مسؤول عن العمل به. وألزم العلم لک ما دلک على صلاح قلبک و أظهر لک فساده. و أحمد العلم عاقبة ما زاد فى علمک العاجل. فلا تشغلن بعلم ما لا یضرک جهله، و لا تغفلن عن علم ما یزید فى جهلک ترکه(10)

– قال على بن سوید المدینى: سألته عن العجب الذى یفسد العمل، فقال:

ألعجب درجات: منها أن یزین للعبد سوء عمله فیراه حسنا، فیعجبه و یحسب أنه یحسن صنعا. و منها أن یؤمن العبد بربه، فیمن على الله تبارک و تعالى، ولله تعالى علیه فیه المن(11)

و سمع رجلا یتمنى الموت فقال له:

هل بینک و بین الله قرابة یحابیک لها – أى یسامحک و یتساهل معک -.

قال: لا.

قال: فهل لک حسنات قدمتها تزید على سیئاتک؟.

قال: لا.

قال: فأنت تتمنى هلاک الأبد!(12)

و قال علیه‏السلام: من استوى یوماه فهو مغبون، و من کان آخر یومیه شرهما فهو ملعون. و من لم یعرف الزیادة فى نفسه فهو فى النقصان، و من کان الى النقصان فالموت خیر له من الحیاة(10)

و روى أنه قال: اتخذوا القیان فان لهن فطنا و عقولا لیست لکثیر من النساء(10)

– و نلفت النظر أن کل عبد و خادم فهو عند العرب قین، و الأمة قینة. و بعض الناس یظن أن المغنیة خاصة هى قینة، و لیس هو کذلک فى اللغة. فکأنه علیه‏السلام یحث الناس على التزوج بأمهات الأولاد، لأن النجابة و الفصاحة تظهران فى أولاد الاماء غالبا.

«عن ابن‏حمدون فى تذکرته:

قال موسى بن جعفر علیه‏السلام: وجدت علم الناس فى أربع:

أولها أن تعرف ربک؟.

و الثانیة أن تعرف ما صنع بک.

و الثالثة أن تعرف ما أراد منک.

و الرابعة أن تعرف ما یخرجک من دینک.

معنى هذه الأربع:

الأولى وجدت معرفة الله تعالى التى هى اللطف.

الثانیة معرفة ما صنع بک من النعم التى یتعین علیک لأجلها الشکر و العبادة.

الثالثة أن تعرف ما أراده منک فیما أوجبه علیک و ندبک الى فعله، لتفعله على الحد الذى أراده منک، فتستحق بذلک الثواب.

الرابعة أن تعرف الشى‏ء الذى یخرجک من طاعة الله فتجتنبه»(13)

روى اسماعیل، عن أبیه موسى بن جعفر، عن أبیه، عن جده على بن الحسین، عن أبیه، عن على بن أبى‏طالب علیهم‏السلام، قال:

قال رسول الله صلى الله علیه و اله و سلم: نظر الولد الى والدیه حبا لهما عبادة»(14)

«و عنه، عن آبائه علیهم‏السلام:

قال الحسین: جاء رجل الى أمیرالمؤمنین علیه‏السلام یسعى بقوم – أى ینم

علیهم – فأمرنى أن دعوت له قنبرا – الخادم – فقال له على علیه‏السلام:

أخرج الى هذا الساعى – المفسد – فقل له: قد أسمعتنا ما کره الله تعالى، فانصرف فى غیر حفظ الله تعالى»(15)

ولو أن کل انسان اتبع سیرة هذه الامام العظیم علیه‏السلام، و طرد المفسد و لم یسمع له و حقره و صغره فى عین نفسه، لکنا وقفنا بوجه النمیمة و حطمنا المفسدین من بین الناس! و أمیرالمؤمنین علیه‏السلام هو معلمنا، و هادینا الى طرق الخیر بعد رسول الله صلى الله علیه و اله و سلم و منقذنا من سلوک سبل الشیطان المؤدیة الى الهلاک.

قال محمد بن حکیم: «قلت لأبى الحسن، موسى علیه‏السلام: جعلت فداک، فقهنا فى الدین، و أغنانا الله بکم عن الناس، حتى أن الجماعة منا لتکون فى المجلس ما یسأل رجل صاحبه تحضره المسألة و یحضره جوابها فیما من الله علینا بکم. فربما ورد علینا الشى‏ء لم یأتنا فیه عنک و لا عن آبائک شى‏ء، فننظر الى أحسن ما یحضرنا، و أوفق الأشیاء لما جاءنا عنکم فتأخذ به؟.

فقال: هیهات هیهات فى ذلک؟!. والله هلک من هلک یابن حکیم… لعن الله [من] یقول: قال على، و قلت»(16)

و سأل على بن جعفر أخاه علیه‏السلام عن المحرم اذا اضطر الى أکل الصید أو المیتة؟.

فقال: یأکل الصید.

قلت: ان الله عزوجل حرم الصید، و أحل له المیتة!.

فقال علیه‏السلام: یأکل الصید و یفدیه، فانما یأکل من ماله.

و قال على بن جعفر: و سألته عن رمى الجمار، و لم جعل؟.

قال: لأن ابلیس اللعین کان یتراءى لابراهیم علیه‏السلام فى موضع الجمار، فرجمه ابراهیم علیه‏السلام، فجرت العادة بذلک(17)

فلکل حکم عند الامام علیه‏السلام علة یستند الیها فتظهر صدقه و صحته، فلا یمکن لأحد من الناس أن یرد حکما یصدر عنه لأن حکمه حکم الله تعالى.

و قال علیه‏السلام: «لعن رسول الله صلى الله علیه و اله و سلم ثلاثة: الأکل زاده وحده، و النائم فى بیت وحده، و الراکب فى الفلاة وحده»(18)

– من خرج فى سفر وحده فلیقل: ماشاءالله، لا حول و لا قوة الا بالله. اللهم آنس وحشتى، و أعنى فى وحدتى، و أد غیبتى»(10)

– فى وصیة رسول الله صلى الله علیه و اله و سلم لعلى علیه‏السلام: لا تخرج فى سفر وحدک، فان الشیطان مع الواحد، و هو من الاثنین أبعد.

یا على، ان الرجل اذا سافر وحده فهو غاو، والاثنان غاویان، و الثلاثة نفر»(10)

و قال علیه‏السلام: «أنا ضامن لمن خرج یرید سفرا معتما تحت حنکه

ثلاثا، أن لا یصیبه السرق، و الغرق، و الحرق»(19)

و الجمع بین هذه الأقوال الکریمة یدل صراحة على کراهیة السفر وحیدا، لما فى ذلک من تعرض للأخطار و المفاجآت التى لا منقذ منها، و لا مساعد علیها.

قال علیه‏السلام: «قال رسول الله صلى الله علیه و اله و سلم:

تخللوا، فان لیس شى‏ء أبغض الى الملائکة من أن یروا فى أسنان العبد طعاما»(20)

و هذا أمر صحى، فان عدم تنظیف الأسنان یفسد رائحة الفم، و یعرض الأسنان للتسوس و التلف، فضلا عما ذکره النبى صلى الله علیه و اله و سلم.

و قال علیه‏السلام: «نهى رسول الله صلى الله علیه و اله و سلم عن طعام ولیمة یخص بها الأغنیاء و یترک الفقراء»(21)

«و عنه أیضا، عن أبیه، عن جده علیهم‏السلام، قال:

ان فیما أوصى به رسول الله صلى الله علیه و اله و سلم علیا علیه‏السلام، قال:

یا على، لا تجامع أهلک فى أول لیلة من الهلال، و لا فى لیلة النصف، و لا فى آخر لیلة، فانه یتخوف على ولد من یفعل ذلک الخبل. – أى الجنون -.

فقال على علیه‏السلام: و لم ذلک یا رسول الله؟!.

فقال: ان الجن یکثرون غشیان نسائهم فى أول لیلة من الهلال، و لیلة النصف، و فى آخر لیلة. أما رأیت المجنون یصرع فى أول الشهر، و فى وسطه، و فى آخره؟»(22)

و عنه علیه‏السلام أیضا: «من أتى أهله فى محاق الشهر، فلیسلم السقط الولد»(10)

و قال علیه‏السلام: «ان العقیقة واجبة»(23)

و قال اسحاق بن عمار: «سألت أباالحسن علیه‏السلام عن العقیقة على الموسر و المعسر؟.

فقال: لیس على من لا یجد، شى‏ء»(10)

أى لیس شى‏ء واجبا على من لا یجد ما ینفقه.

و قال علیه‏السلام: «جاء رجل الى النبى صلى الله علیه و اله و سلم، فقال: یا رسول الله، ما حق ابنى هذا؟.

قال: تحسن اسمه، و أدبه، وضعه موضعا حسنا»(24)

و صلوات الله و سلامه على من أوتى جوامع الکلم، فاختصر واجب الأب نحو ابنه بثلاث مراحل قد یتفرع على کل منها ثلاث و ثلاث و ثلاث.

سأل هشام بن الحکم موسى بن جعفر علیه‏السلام؛ لأى علة صار التکبیر فى الافتتاح سبع تکبیرات، و لأى علة یقال فى الرکوع: سبحان ربى العظیم و بحمده، و فى السجود: سبحان ربى الأعلى و بحمده؟.

قال علیه‏السلام: ان الله تعالى خلق السماوات سبعا، و الأرضین سبعا؛ فلما أسرى بالنبى صلى الله علیه و اله و سلم، و صار من ملکوت الأرض کقاب قوسین أو أدنى، رفع له حجابا من حجبه فکبر رسول الله و جعل یقول الکلمات التى تقال فى الافتتاح.

فلما رفع له الثانى کبر.

فلم یزل کذلک حتى رفع سبعة حجب، و کبر سبع تکبیرات. فلذلک – فلتلک – العلة یکبر فى الافتتاح سبع تکبیرات.

فلما ذکر ما رأى من عظمة الله ارتعدت فرائصه، فابترک على رکبتیه و أخذ یقول: سبحان ربى العظیم و بحمده.

فلما اعتدل من رکوعه قائما، نظر الى تلک العظمة فى موضع أعلى من ذلک الموضع، فخر على وجهه و هو یقول: سبحان ربى الأعلى و بحمده.

فلما قالها سبع مرات، سکن ذلک الرعب، فلذلک جرت به السنة»(25)

و روى حماد بن عیسى، عن بعض أصحابنا، عنه علیه‏السلام، قال:

«الخمس من خمسة أشیاء: من الغنائم، و الغوص، و من الکنوز، و من المعادن، و الملاحة – منبت الملح -، یؤخذ من کل هذه الصنوف الخمس‏

فیجعل لمن جعله الله تعالى له، و یقسم الأربعة الأخماس بین من قاتل علیه – یعنى فى الغنائم – و ولى ذلک.

و یقسم بینهم الخمس على ستة أسهم: سهم لله، و سهم لرسول الله، و سهم لذوى القربى، و سهم للیتامى، و سهم للمساکین، و سهم لأبناء السبیل.

فسهم الله، و سهم رسول الله، لأولى الأمر من بعد رسول الله صلى الله علیه و اله و سلم وراثة؛ فله ثلاثة أسهم: سهمان وراثة – یعنى من رسول الله صلى الله علیه و اله و سلم – و سهم مقسوم له من الله – هو سهم ذى القربى – و له نصف الخمس کملا.

و نصف الخمس الباقى بین أهل بیته: فسهم لیتاماهم، و سهم لمساکینهم، و سهم لأبناء سبیلهم، یقسم بینهم على الکتاب و السنة – و قیل و السعة – ما یستغنون به فى سنتهم. فان فضل عنهم شى‏ء فهو للوالى، و ان عجز أو نقص عن استغنائهم، کان على الوالى أن ینفق من عنده بقدر ما یستغنون به. و انما صار علیه أن یمونهم – أى یقوتهم وزنا و معنى – لأن له ما فضل عنهم.

و انما جعل الله هذا الخمس خاصة لهم دون مساکین الناس و أبناء سبیلهم، عوضا لهم من صدقات الناس، و تنزیها من الله لهم لقرابتهم من رسول الله صلى الله علیه و اله و سلم، و کرامة من الله لهم من أوساخ الناس. فجعل لهم خاصة من عنده ما یغنیهم به عن أن یصیرهم فى موضع الذل و المسکنة. و لا بأس بصدقات بعضهم على بعض.

و هؤلاء الذین جعل الله لهم الخمس هم قرابة النبى صلى الله علیه و اله و سلم، الذین ذکرهم الله تعالى: (و أنذر عشیرتک الأقربین (214))(26) و هم بنو عبدالمطلب‏

أنفسهم، الذکر منهم و الأثنى، لیس فیهم من أهل بیوتات قریش و لا من العرب أحد. و لا فیهم، و لا منهم فى هذا الخمس من موالیهم. و لقد تحل صدقات الناس لموالیهم، و هم و الناس سواء. و من کانت أمه من بنى‏هاشم، و أبوه من سائر قریش، فان الصدقات تحل له، و لیس له من الخمس شى‏ء. لأن الله تعالى یقول: (ادعوهم لأبائهم)(27)

و للامام صفو المال أن یأخذ من هذه الأموال صفوها: الجاریة الفارهة – أى الصبیة الحسناء – و الدابة الفارهة- أى الجیدة – و الثوب و المتاع بما یحب و یشتهى؛ فذلک له قبل القسمة، و قبل اخراج الخمس. و له أن یسد بذلک المال جمیع ما ینوبه – أى ما یصیبه – من مثل اعطاء المؤلفة قلوبهم و غیر ذلک مما ینوب. فان بقى بعد ذلک شى‏ء أخرج الخمس منه، فقسمه فى أهله، و قسم الباقى على من ولى ذلک. و ان لم یبق بعد سد النوائب شى‏ء، فلا شى‏ء لهم. و لیس لمن قاتل شى‏ء من الأرضین، و لا ما غلبوا علیه الا ما احتوى علیه العسکر.

و لیس للأعراب من القسمة شى‏ء و ان قاتلوا مع الوالى، لأن رسول الله صلى الله علیه و اله و سلم صالح الأعراب أن یدعهم فى دیارهم و لا یهاجروا، على أنه ان دهم – أى فوجى‏ء- رسول الله صلى الله علیه و اله و سلم من عدوه، دهم أن یستنفرهم فیقاتل بهم و لیس لهم فى الغنیمة نصیب. و سنته جاریة فیهم و فى غیرهم، و الأرضون التى أخذت عنوة – اذلالا و غصبا – بخیل و رجال، فهى موقوفة متروکة فى ید من یعمرها و یحییها و یقوم علیها، على ما یصالحهم الوالى على قدر طاقتهم من الحق؛ النصف، أو الثلث، أو الثلثین، و على قدر ما یکون لهم صلاحا و لا یضرهم. فاذا أخرج منها ما أخرج، بدأ فأخرج منه

العشر من الجمیع مما سقت السماء أو سقى سیحا – أى جریا بدون واسطة دفع – و نصف العشر مما سقى بالدوالى و النواضح، فأخذه الوالى فوجهه فى الجهة التى وجهها الله على ثمانیة أسهم: للفقراء، و المساکین، و العاملین علیها، و المؤلفة قلوبهم. و فى الرقاب، و الغارمین، و فى سبیل الله، و ابن‏السبیل. ثمانة أسهم یقسم بینهم فى مواضعهم بقدر ما یستغنون به فى سنتهم بلا ضیق و لا تقتیر. فاذا فضل من ذلک شى‏ء رد الى الوالى، و ان نقص من ذلک شى‏ء و لم یکتفوا به، کان على الوالى أن یمونهم من عنده بقدر سعتهم حتى یستغنوا. و یؤخذ بعد ما بقى من العشر فیقسم بین الوالى و بین شرکائه الذین هم عمال الأرض و أکرتها – أى المأجورون لزرعها – فیدفع الیهم أنصباؤهم على ما صالحهم علیه، و یؤخذ الباقى فیکون بعد ذلک أرزاق أعوانه على دین الله، و فى مصلحة ما ینوبه من تقویة الاسلام، و تقویة الدین، فى وجوه الجهاد و غیر ذلک مما فیه مصلحة العامة، و لیس لنفسه من ذلک قلیل و لا کثیر.

و له بعد الخمس الأنفال. و الأنفال کل أرض خربة قد باد أهلها، و کل أرض لم یوجف علیها بخیل و لا رکاب، ولکن صالحوا صلحا و أعطوا بأیدیهم على غیر قتال. و له رؤوس الجبال، و بطون الأودیة، و الآجام، و کل أرض میتة لا رب لها. و له صوافى الملوک – أى ما کان قد اصطفاه الملوک لأنفسهم من مال و غیره – ما کان فى أیدیهم من غیر وجه الغصب، لأن الغصب کل مردود. و هو وارث من لا وارث له، یعول من لا عیلة له.

و قال علیه‏السلام: ان الله لم یترک شیئا من صنوف الأموال الا و قد قسمه على کل ذى حق حقه، الخاصة و العامة، و الفقراء و المساکین، و کل صنف من صنوف الناس. فقال: لو عدل فى الناس لاستغنوا. ثم قال: ان العدل أحلى من العسل، و لا یعدل الا من یحس العدل.

و قال: و کان رسول الله صلى الله علیه و اله و سلم یقسم صدقات البوادى فى البوادى، و صدقات أهل الحضر فى أهل الحضر. و لا یقسم بینهم بالسویة على ثمانیة، حتى یعطى أهل کل سهم ثمنا؛ ولکن یقسمها على قدر من یحضره من أصناف الثمانیة على قدر ما یقیم کل صنف منهم یقدر لسنته، لیس فى ذلک شى‏ء موقوت – أى مفروض فى الأوقات – و لا مسمى، و لا مؤلف، انما یضع ذلک على قدر ما ترى و ما یحضره، حتى یسد کل فاقة- أى حاجة – کل قوم منهم، و ان فضل من فقراء أهل المال فضل، عرضوا المال جملة الى غیرهم.

و الأنفال الى الوالى، و کل أرض فتحت فى أیام النبى صلى الله علیه و اله و سلم الى آخر الأبد، و ما کان افتتاحا بدعوة أهل الجور و أهل العدل، لأن ذمة رسول الله فى الأولین و الآخرین ذمة واحدة، لأن رسول الله صلى الله علیه و اله و سلم قال:

المسلمون اخوة، تتکافأ دماؤهم، و یسعى بذمتهم أدناهم.

و لیس فى مال الخمس زکاة، لأن فقراء الناس جعل أرزاقهم فى أموال الناس على ثمانیة أسهم، فلم یبق منهم أحد. و جعل للفقراء قرابة الرسول صلى الله علیه و اله و سلم نصف الخمس، فأغناهم به عن صدقات الناس، و صدقات النبى صلى الله علیه و اله و سلم، و ولى الأمر؛ فلم یبق فقیر من فقراء الناس، و لم یبق فقیر من فقراء قرابة رسول الله صلى الله علیه و اله و سلم، الا و قد استغنى، فلا فقیر. و لذلک لم یکن على مال النبى صلى الله علیه و اله و سلم، والوالى، زکاة، لأنه لم یبق فقیر محتاج. ولکن علیهم أشیاء تنوبهم من وجوه، و لهم من تلک الوجوه کما علیهم»(28)

وصیته علیه‏السلام لهشام بن الحکم البغدادى الکندى – مولى بنى‏شیبان – الذى اتفق الأصحاب على وثاقته و عظیم قدره و رفیع منزلته:

صفاته للعقل:

ان الله تبارک و تعالى بشر أهل العقل و الفهم فى کتابه فقال: (فبشر عباد (17) الذین یستمعون القول فیتبعون أحسنه أولئک الذین هداهم الله و أولئک هم أولوا الألباب (18))(29)

یا هشام بن الحکم، ان الله عزوجل أکمل للناس الحجج بالعقول، و أفضى الیهم بالبیان، و دلهم على ربوبیته بالأدلاء فقال: (و الهکم اله واحد لا اله الا هو الرحمن الرحیم (163)). (ان فى خلق السموات و الأرض و اختلاف الیل و النهار و الفلک التى تجرى فى البحر بما ینفع الناس و ما أنزل الله من السماء من ماء فأحیا به الأرض بعد موتها و بث فیها من کل دابة و تصریف الریاح و السحاب المسخر بین السماء و الأرض لأیات لقوم یعقلون (164))(30)

یا هشام، قد جعل الله عزوجل ذلک دلیلا على معرفته، بأن لهم مدبرا فقال: (و سخر لکم الیل و النهار و الشمس و القمر و النجوم مسخرات بأمره ان فى ذلک لأیات لقوم یعقلون (12))(31) و قال: (حم (1) و الکتاب المبین (2) انا جعلناه قراءنا عربیا لعلکم تعقلون (3))(32) و قال: (و من ءایاته یریکم البرق خوفا و طمعا و ینزل من السماء ماء فیحى به الأرض بعد موتها ان فى ذلک لأیات لقوم یعقلون (24))(33)

یا هشام، ثم وعظ أهل العقل و رغبهم فى الآخرة فقال: (و ما الحیوة الدنیا الا لعب و لهو و للدار الأخرة خیر للذین یتقون أفلا تعقلون (32))(34) و قال:

(و ما أوتیتم من شى‏ء فمتاع الحیوة الدنیا و زینتها و ما عندالله خیر و أبقى أفلا تعقلون (60))(35)

یا هشام، ثم خوف الذین لا یعقلون عذابه فقال عزوجل: (ثم دمرنا الأخرین (136) و انکم لتمرون علیهم مصبحین (137) و بالیل أفلا تعقلون (138))(36)

یا هشام، ثم بین أن العقل مع العلم فقال: (و تلک الأمثال نضربها للناس و ما یعقلها الا العالمون (43))(37)

یا هشام، ثم ذم الذین لا یعقلون فقال: (و اذا قیل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفینا علیه ءاباءنا أولو کان ءاباؤهم لا یعقلون شیئا و لا یهتدون (170))(38) و قال: (ان شر الدوآب عندالله الصم البکم الذین لا یعقلون (22))(39) و قال: (و لئن سألتهم من خلق السماوات و الأرض لیقولن الله قل الحمدلله بل أکثرهم لا یعلمون (25))(40)

ثم ذم الکثرة فقال: (و ان تطع أکثر من فى الأرض یضلوک عن سبیل الله…)(41) و قال: (ولکن أکثرهم لا یعلمون (37))(42) (و هم لا یشعرون (66))(43)

یا هشام، ثم مدح القلة فقال: (و قلیل من عبادى الشکور(13))(44)

و قال: (و قلیل ما هم…)(45) و قال: (و ما ءامن معه الا قلیل (40))(46)

یا هشام، ثم ذکر أولى الألباب بأحسن الذکر، و حلاهم بأحسن الحلیة فقال: (یؤتى الحکمة من یشاء و من یؤت الحکمة فقد أوتى خیرا کثیرا و ما یذکر الا أولوا الألباب (269))(47)

[وانفرد الکافى م 1 ص 15 بهذه الزیادة التى بین قوسین، و هى: ]

[و قال: (و الراسخون فى العلم یقولون ءامنا به کل من عند ربنا و ما یذکر الا أولوا الألباب (7))(48) و قال (ان فى خلق السماوات و الأرض واختلاف الیل والنهار لأیات لأولى الألباب (190))(49) و قال: (أفمن یعلم أنما أنزل الیک من ربک الحق کمن هو أعمى انما یتذکر أولوا الألباب (19))(50) و قال: (أمن هو قانت ءاناء الیل ساجدا و قائما یحذر الأخرة و یرجوا رحمة ربه قل هل یستوى الذین یعلمون و الذین لا یعلمون انما یتذکر أولوا الألباب (9))(51) و قال: (ان الذین أجرموا کانوا من الذین ءامنوا یضحکون (29))(52) و قال: (و لقد ءاتینا موسى الهدى و أورثنا بنى‏اسرائیل الکتاب (53) هدى و ذکرى لأولى الألباب (54))(53) و قال: (و ذکر فان الذکرى تنفع المؤمنین (55))(54)].

یا هشام، ان الله یقول: (ان فى ذلک لذکرى لمن کان له قلب…)(55) یعنى العقل؛ و قال: (و لقد ءاتینا لقمان الحکمة…)(56) قال: الفهم و العقل.

یا هشام، ان لقمان قال لابنه: تواضع للحق تکن أعقل الناس؛ یا بنى ان الدنیا بحر عمیق قد غرق فیه عالم کثیر، فلتکن سفینتک فیها تقوى الله، وحشوها الایمان، و شراعها التوکل، و قیمها العقل، و دلیلها العلم، و سکانها الصبر – أى مقدمها الذى یوجهها -.

یا هشام، لکل شى‏ء دلیل، و دلیل العاقل التفکر، و دلیل التفکر الصمت. ولکل شى‏ء مطیة، و مطیة العاقل التواضع؛ و کفى بک جهلا أن ترکب ما نهیت عنه.

یا هشام، لو کان فى یدک جوزة و قال الناس انها لؤلؤة، ما نفعک و أنت تعلم أنها جوزة، ولو کان فى یدک لؤلؤة و قال الناس انها جوزة، ما ضرک و أنت تعلم أنها لؤلؤة؟!.

یا هشام، ما بعث الله أنبیاءه و رسله الى عباده الا لیعقلوا عن الله، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة لله؛ و أعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلا، و أعقلهم أرفعهم درجة فى الدنیا و الآخرة.

یا هشام، ما من عبد الا و ملک آخذ بناصیته، فلا یتواضع الا رفعه الله، و لا یتعاظم الا وضعه الله.

یا هشام، ان الله على الناس حجتین: حجة ظاهرة، و حجة باطنة. فأما الظاهرة فالرسل و الأنبیاء و الأئمة؛ و أما الباطنة فالعقول.

یا هشام، ان العاقل [هو] الذى لا یشغل الحلال شکره، و لا یغلب الحرام صبره.

یا هشام، من سلط ثلاثا على ثلاث فکأنما أعان هواه على هدم عقله: من أظلم فکره لطول أمله، و محا طرائف حکمته بفضول کلامه، و أطفأ نور عبرته بشهوات نفسه فکأنما أعان هواه على هدم عقله. و من هدم عقله أفسد علیه دینه و دنیاه.

یا هشام، کیف یزکو عند الله عملک، و أنت قد شغلت عقلک عن أمر ربک، و أطعت هواک على غلبة عقلک؟!.

یا هشام، الصبر على الوحدة علامة قوة العقل؛ فمن عقل عن الله تبارک و تعالى اعتزل أهل الدنیا و الراغبین فیها، و رغب فیما عند ربه [و کان الله] آنسه فى [الوحشة] و صاحبه فى الوحدة، و غناه فى العیلة، و معزه فى غیر عشیرة.

یا هشام، نصب الخلق لطاعة الله، و لا نجاة الا بالطاعة. و الطاعة بالعلم، و العلم بالتعلم، و التعلم بالعقل یعتقد. و لا علم الا من عالم ربانى، و معرفة العالم بالعقل.

یا هشام، قلیل العمل من العاقل مقبول مضاعف، و کثیر العمل من أهل الهوى و الجهل مردود.

یا هشام، ان العاقل رضى بالدون من الدنیا مع الحکمة، و لم یرض بالدون من الحکمة مع الدنیا.

یا هشام، ان کان یغنیک ما یکفیک، فان ما فى الدنیا یکفیک، و ان کان لا یغنیک ما یکفیک، فلیس شى‏ء من الدنیا یغنیک.

یا هشام، ان العقلاء ترکوا فضول الدنیا، فکیف الذنوب؟!. و ترک الدنیا من الفضل، و ترک الذنوب من الفرض!.

یا هشام، ان العقلاء زهدوا فى الدنیا و رغبوا فى الآخرة، لأنهم علموا

أن الدنیا طالبة و مطلوبة، و الآخرة طالبة و مطلوبة. فمن طلب الآخرة طلبته الدنیا حتى یستوفى منها رزقه، و من طلب الدنیا طلبته الآخرة فیأتیه الموت فیفسد علیه دنیاه و آخرته.

یا هشام، من أراد الغنى بلا مال، و راحة القلب من الحسد، والسلامة فى الدین، فلیتضرع الى الله فى مسألته بأن یکمل عقله. فمن عقل قنع بما یکفیه، و من قنع بما یکفیه استغنى، و من لم یقنع بما یکفیه لم یدرک الغنى أبدا…

یا هشام، ان الله جل و عز حکى عن قوم صالحین أنهم قالوا: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هدیتنا وهب لنا من لدنک رحمة انک أنت الوهاب (8))(57) حین علموا أن القلوب تزیغ و تعود الى عماها ورداها – أى هلاکها -. انه لم یخف الله من لم یعقل عن الله، و من لم یعقل عن الله لم یعقد قلبه على معرفة ثابتة یبصرها و یجد حقیقتها فى قلبه. و لا یکون أحد کذلک الا من کان قوله لفعله مصدقا، و سره لعلانیته موافقا، لأن الله لم یدل على الباطل الخفى من العقل الا بظاهر منه و ناطق عنه.

یا هشام، کان أمیرالمؤمنین علیه‏السلام یقول: ما من شى‏ء عندالله به أفضل من العقل، و ما تم عقل امرى‏ء حتى یکون فیه خصال شتى: الکفر و الشر منه مأمونان، و الخیر و الرشد منه مأمولان، و فضل ماله مبذول، و فضل قوله مکفوف. نصیبه من الدنیا القوت، و لا یشبع من العلم دهره، الذل أحب الیه مع الله، من العز مع غیره. و التواضع أحب الیه من الشرف. یستکثر قلیل المعروف و من غیره، و یستقل کثیر المعروف من نفسه، و یرى الناس کلهم خیرا منه، و أنه شرهم فى نفسه، و هو تمام الأمر.

یا هشام، من صدق لسانه زکا عمله، و من حسنت نیته زید فى رزقه، و من حسن بره باخوانه و أهله مد فى عمره.

یا هشام، لا تمنحوا الجهال الحکمة فتظلموها، و لا تمنعوها أهلها فتظلموهم.

یا هشام، کما ترکوا لکم الحکمة، فاترکوا لهم الدنیا.

یا هشام، لا دین لمن لا مروة له، و لا مروة لمن لا عقل له؛ و ان أعظم الناس قدرا الذى لا یرى الدنیا لنفسه خطرا. أما أن أبدانکم لیس لها ثمن الا الجنة، فلا تبیعوها بغیرها.

یا هشام، ان أمیرالمؤمنین علیه‏السلام کان یقول: لا یجلس فى صدر المجلس الا رجل فیه ثلاث خصال: یجیب اذا سئل، و ینطق اذا عجز القوم عن الکلام، و یشیر بالرأى الذى فیه صلاح أهله. فمن لم یکن فیه شى‏ء منهن فجلس فهو أحمق.

و قال الحسن بن على علیه‏السلام: اذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها. قیل: یابن رسول الله، و من أهلها؟. قال: هم أولوا العقول.

و قال على بن الحسین علیه‏السلام: مجالسة الصالحین داعیة الى الصلاح، و أدب العلماء زیادة فى العقل، و طاعة ولاة العدل تمام العز، و استثمار المال تمام المروة، و ارشاد المستشیر قضاء لحق النعمة، و کف الأذى من کمال العقل و فیه راحة البدن عاجلا و آجلا.

یا هشام، ان العاقل لا یحدث من یخاف تکذیبه، و لا یسأل من یخاف منعه، و لا یعد ما لا یقدر علیه، و لا یرجو ما یعنف برجائه – أى ما یلام علیه – و لا یتقدم على ما یخاف العجز عنه.

و کان أمیرالمؤمنین علیه‏السلام یوصى أصحابه، یقول: أوصیکم بالخشیة

من الله فى السر و العلانیة، و العدل فى الرضا و الغضب، و الاکتساب فى الفقر و الغنى، و أن تصلوا من قطعکم، و تعفوا عمن ظلمکم، و تعطفوا على من حرمکم. ولیکن نظرکم عبرا، وصمتکم فکرا، و قولکم ذکرا، و طبیعتکم السخاء فانه لا یدخل الجنة بخیل، و لا یدخل النار سخى.

یا هشام، رحم الله من استحیا من الله حق الحیاء، فحفظ الرأس و ما حوى، و البطن و ما وعى – أى احتوى – و ذکر الموت و البلى، و علم أن الجنة محفوفة بالمکاره، و النار محفوفة بالشهوات.

یا هشام، من کف نفسه عن أعراض الناس أقاله الله عثرته یوم القیامة، و من کف نفسه عن الناس کف الله عنه غضبه یوم القیامة.

یا هشام، ان العاقل لا یکذب و ان کان فیه هواه.

یا هشام، وجد فى ذؤابة سیف رسول الله صلى الله علیه و اله و سلم: ان أعتى الناس على الله من ضرب غیر ضاربه، و قتل غیر قاتله. و من تولى غیر موالیه فهو کافر بما أنزل الله على نبیه محمد صلى الله علیه و اله و سلم. و من أحدث حدثا، أو آوى محدثا، لم یقبل الله منه یوم القیامة صرفا و لا عدلا.

یا هشام، أفضل ما یتقرب به العبد الى الله، بعد المعرفة به، و الصلاة، و بر الوالدین، و ترک الحسد، و العجب و الفخر.

یا هشام، أصلح أیامک الذى هو أمامک، فانظر أى یوم هو، و أعد له الجواب فانک موقوف و مسؤول. و خذ موعظتک من الدهر و أهله، فان الدهر [أیامه] طویلة قصیرة. فاعمل کأنک ترى ثواب عملک لتکون أطمع فى ذلک و أعقل عن الله. و انظر فى تصرف الدهر و أحواله، فان ما هو آت من الدنیا لکما ولى منها، فاعتبر بها(58)

قال على بن الحسین علیه‏السلام: ان جمیع ما طلعت علیه الشمس فى مشارق الأرض و مغاربها، بحرها و برها، و سهلها و جبلها، عند ولى من أولیاء الله و أهل المعرفة بحق الله، کفى‏ء الظلال.

ثم قال علیه‏السلام: أولا حر یدع [هذه] اللماظة لأهلها – و اللماظة بقیة الطعام فى الفم، و کل شى‏ء قلیل؛ و یرید بها هنا الدنیا – فلیس لأنفسکم ثمن الا الجنة، فلا تبیعوها بغیرها، فانه من رضى من الله بالدنیا فقد رضى بالخسیس…

یا هشام، ان کل الناس یبصر النجوم، ولکن لا یهتدى بها الا من یعرف مجاریها و منازلها، و کذلک أنتم تدرسون الحکمة ولکن لا یهتدى بها منکم الا من عمل بها.

یا هشام، ان المسیح علیه‏السلام قال للحواریین:

یا عبید السوء، یهولکم طول النخلة و تذکرون شوکها و مؤنة مراقیها، و تنسون ثمرها و مرافقها- أى منافعها – کذلک تذکرون مؤنة عمل الآخرة فیطول علیکم أمده، و تنسون ما تفضون الیه من نعیمها و نورها و ثمرها…

یا عبید السوء، نقوا القمح و طیبوه تجدوا طعمه و یهنئکم أکله. کذلک فأخلصوا الایمان و أکملوه تجدوا حلاوته و ینفعکم غبه – أى عافیته و ما بعده -.

بحق أقول لکم: لو وجدتم سراجا یتوقد بالقطران فى لیلة مظلمة لاستظأتم به ولم یمنعکم ریح نتنة؛ کذلک ینبغى لکم أن تأخذوا الحکمة ممن وجدتموها معه، و لا یمنعکم منها سوء رغبته فیها.

یا عبید الدنیا، بحق أقول لکم: ان من لیس علیه دین من الناس، أروح و أقل هما ممن علیه الدین و ان أحسن القضاء. و کذلک من لم یعمل الخطیئة

أروح هما ممن عمل الخطیئة و ان أخلص التوبة و أناب. و ان صغار الذنوب و محقراتها من مکائد ابلیس، یحقرها لکم، و یصغرها فى أعینکم، فتجمع و تکثر فتحیط بکم.

بحق أقول لکم: ان الناس فى الحکمة رجلان: فرجل أتقنها بقوله و صدقها بفعله، و رجل أتقنها بقوله وضیعها بسوء فعله، فشتان بینهما!. فطوبى للعلماء بالفعل، و ویل للعلماء بالقول!.

یا عبید السوء اتخذوا مساجد ربکم سجونا لأجسادکم و جباهکم، واجعلوا قلوبکم بیوتا للتقوى، و لا تجعلوا قلوبکم بیوتا للشهوات. ان أجزعکم عند البلاء لأشدکم حبا للدنیا، و ان أصبرکم على البلاء لأزهدکم فى الدنیا.

یا عبید السوء، لا تکونوا شبیها بالحداء الخاطفة – أى الطیور التى تخطف، و هو جمع حدأة – و لا بالثعالب الخادعة، و لا بالذئاب الغادرة، و لا بالأسد العاتیة، کما تفعل بالفراس کذلک تفعلون بالناس: فریقا تخطفون، و فریقا تخدعون، و فریقا تغدرون بهم.

بحق أقول لکم: لا یغنى عن الجسد أن یکون ظاهره صحیحا و باطنه فاسدا؛ کذلک لا تغنى أجسادکم التى قد أعجبتکم، و قد فسدت قلوبکم و ما یغنى عنکم أن تنقوا جلودکم، و قلوبکم دنسة، لا تکونوا کالمنخل یخرج منه الدقیق الطیب و یمسک النخالة. کذلک أنتم تخرجون الحکمة من أفواهکم، و یبقى الغل فى صدورکم.

یا عبید الدنیا، انما مثلکم مثل السراج یضى‏ء للناس، و یحرق نفسه. یا بنى‏اسرائیل، زاحموا العلماء فى مجالسهم و لو جثوا على الرکب، فان الله یحیى القلوب المیتة بنور الحکمة، کما یحیى الأرض المیتة وابل المطر.

یا هشام، مکتوب فى الانجیل: طوبى للمتراحمین، أولئک هم المرحومون یوم القیامة!. طوبى للمصلحین بین الناس، أولئک هم المقربون یوم القیامة!. طوبى للمطهرة قلوبهم، أولئک هم المتقون یوم القیامة!. طوبى للمتواضعین فى الدنیا، أولئک یرتقون منابر الملک یوم القیامة!.

یا هشام، قلة المنطق حلم عظیم، فعلیکم بالصمت فانه دعة حسنة، و قلة وزر، و خفة من الذنوب. فحصنوا باب الحلم فان بابه الصبر. و ان الله عزوجل یبغض الضحاک من غیر عجب، و المشاء الى غیر أرب. و یجب على الوالى أن یکون کالراعى لا یغفل عن رعیته و لا یتکبر علیهم. فاستحیوا من الله فى سرائرکم کما تستحیون من الناس من علانیتکم. و اعلموا أن الکلمة من الحکمة ضالة المؤمن، فعلیکم بالعلم قبل أن یرفع، و رفعه غیبة عالمکم بین أظهرکم.

یا هشام، تعلم من العلم ما جهلت، و علم الجاهل مما علمت. عظم العالم لعلمه ودع منازعته، و صغر الجاهل لجهله، و لا تطرده، ولکن قربه و علمه.

یا هشام، ان کل نعمة عجزت عن شکرها، بمنزلة سیئة تؤخذ بها. و قال أمیرالمؤمنین صلوات الله علیه: ان الله عبادا کسرت قلوبهم خشیته فأسکنتهم عن المنطق و انهم لفصحاء عقلاء؛ یستبقون الى الله بالأعمال الآلیة، و لا یستکثرون له الکثیر، و لا یرضون لهم من أنفسهم بالقلیل، و یرون فى أنفسهم أنهم أشرار، و انهم لأکیاس أبرار.

یا هشام، الحیاء من الایمان، و الایمان فى الجنة، و البذاء من الجفاء، و الجفاء فى النار.

یا هشام، المتکلمون ثلاثة: فرابح، و سالم، و شاجب – أى مهذار الکلام -. فأما الرابح فالذاکر لله، و أما السالم فالساکت، و أما الشاجب الذى یخوض فى الباطل.. ان الله حرم الجنة على کل فاحش بذى‏ء قلیل الحیاء لا یبالى ما قال و لا ما قیل فیه. و کان أبوذر – رضى الله عنه – یقول: یا مبتغى العلم، ان هذا اللسان مفتاح خیر و مفتاح شر، فاختم على فیک کما تختم على ذهبک و ورقک.

یا هشام، بئس العبد عبد یکون ذا وجهین و ذا لسانین، یطرى أخاه اذا شاهده، و یأکله اذا غاب عنه؛ ان أعطى حسده، و ان ابتلى خذله. ان أسرع الخیر ثوابا البر، و أسر الشر عقوبة البغى، و ان شر عباد الله من تکره مجالسته لفحشه!. و هل یکب الناس على مناخرهم فى النار الا حصائد ألسنتهم؟!. و من حسن اسلام المرء ترک ما لا یعنیه.

یا هشام، لا یکون الرجل مؤمنا حتى یکون خائفا راجیا. و لا یکون خائفا راجیا حتى یکون عاملا لما یخاف و یرجو.

یا هشام، قال الله جل و عز: و عزتى و جلالى، و عظمتى و قدرتى، و بهائى و علوى فى مکانى، لا یؤثر عبد هواى على هواه، الا جعلت الغنى فى نفسه، و همه فى آخرته، و کففت علیه [فى] ضیعته، و ضمنت السماوات و الأرض رزقه، و کنت له من وراء تجارة کل تاجر.

یا هشام، الغضب مفتاح الشر، و أکمل المؤمنین ایمانا أحسنهم خلقا. و ان خالطت الناس، فان استطعت أن لا تخالط أحدا منهم الا من کانت یدک علیه العلیا، فافعل.

یا هشام، علیک بالرفق، فان الرفق یمن، و الخرق شؤم. ان الرفق، و البر، و حسن الخلق یعمر الدیار و یزید فى الرزق.

یا هشام، قول الله: (هل جزاء الاحسان الا الاحسان (60))(59) جرت فى المؤمن و الکافر، و البر و الفاجر. من صنع الیه معروف فعلیه أن یکافى‏ء به.

و لیست المکافأة أن تصنع کما صنع حتى ترى فضلک؛ فان صنعت کما صنع فله الفضل بالابتداء.

یا هشام، ان مثل الحیاة مثل الحیة، مسها لین، و فى جوفها السم القاتل، یحذرها الرجال ذو و العقول، و یهوى الیها الصبیان بأیدیهم.

یا هشام، اصبر على طاعة الله، و اصبر عن معاصى الله، فانما الدنیا ساعة، فما مضى منها فلیس تجد له سرورا و لا حزنا، و ما لم یأت منها فلیس تعرفه. فاصبر على تلک الساعة التى أنت فیها، فکأنک قد اغتبطت.

یا هشام، مثل الدنیا، مثل ماء البحر، کلما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتى یقتله.

یا هشام، ایاک و الکبر، فانه لا یدخل الجنة من کان فى قلبه مثقال حبة من کبر. الکبر رداء الله، فمن نازعه رداءه أکبه الله فى النار على وجهه.

یا هشام، لیس منا من لم یحاسب نفسه کل یوم، فان عمل حسنا استزاد منه، و ان عمل سیئا استغفر الله منه و تاب الیه.

یا هشام، تمثلت الدنیا للمسیح علیه‏السلام فى صورة امرأة زرقاء، فقال لها: کم تزوجت؟!. فقالت: کثیرا. قال: فکل طلقک؟. قالت: لا، بل کلا قتلت!. قال المسیح علیه‏السلام: فویل لأزواجک الباقین، کیف لا یعتبرون بالماضین؟!.

یا هشام، ان ضوء الجسد فى عینه، فان کان البصر مضیئا استفاد

الجسد کله، و ان ضوء الروح العقل، فاذا کان العبد عاقلا، کان عالما بربه، و اذا کان عالما بربه أبصر دینه، و ان کان جاهلا بربه لم یقم له دین. و کما لا یقوم الجسد الا بالنفس الحیة، فکذلک لا یقوم الدین الا بالنیة الصادقة، و لا تثبت النیة الصادقة الا بالعقل.

یا هشام، ان الزرع ینبت فى السهل و لا ینبت فى الصفا – أى الصخر -. فکذلک الحکمة تعمر فى قلب المتواضع، و لا تعمر فى قلب المتکبر الجبار، لأن الله جعل التواضع آلة العقل، و جعل التکبر من آلة الجهل. ألم تعلم أن من شمخ الى السقف برأسه شجه، و من خفض رأسه استظل تحته و أکنه!.

و کذلک من لم یتواضع لله خفضه الله، و من تواضع لله رفعه.

یا هشام، ما أقبح الفقر بعد الغنى، و أقبح الخطیئة بعد النسک؛ و أقبح من ذلک العابد لله، ثم یترک عبادته.

یا هشام، لا خیر فى العیش الا لرجلین: لمستمع واع، و عالم ناطق.

یا هشام، ما قسم بین العباد أفضل من العقل. نوم العاقل أفضل من سهر الجاهل. و ما بعث الله نبیا الا عاقلا حتى یکون عقله أفضل من جمیع جهد المجتهدین. و ما أدى العبد فریضة من فرائض الله حتى عقل منه.

یا هشام، قال رسول الله صلى الله علیه و اله و سلم: اذا رأیتم المؤمن صموتا فادنوا منه فانه یلقى الحکمة. و المؤمن قلیل الکلام، کثیر العمل. و المنافق کثیر الکلام، قلیل العمل.

یا هشام، أوحى الله تعالى الى داود علیه‏السلام: قل لعبادى لا یجعلوا بینى و بینهم عالما مفتونا بالدنیا فیصدهم عن ذکرى، و عن طریق محبتى و مناجاتى؛ أولئک قطاع الطریق من عبادى!. ان أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة محبتى و مناجاتى من قلوبهم.

یا هشام، من تعظم فى نفسه لعنته ملائکة السماء و ملائکة الأرض. و من تکبر على اخوانه و استطال علیهم فقد ضاد الله، و من أدعى ما لیس له، فهو أعتى لغیر رشده.

یا هشام، أوحى الله تعالى الى داود علیه‏السلام: یا داود حذر و أنذر أصحابک عن حب الشهوات، فان المعلقة قلوبهم بشهوات الدنیا قلوبهم محجوبة عنى.

یا هشام، ایاک و الکبر على أولیائى و الاستطالة بعلمک فیمقتک الله فلا تنفعک بعد مقته دنیاک و لا آخرتک. و کن فى الدنیا کساکن دار لیست له، انما ینتظر الرحیل.

یا هشام، مجالسة أهل الدین شرف الدنیا و الآخرة، و مشاورة العاقل الناصح یمن و برکة و رشد و توفیق من الله. فاذا أشار علیک العاقل الناصح فایاک و الخلاف فان فى ذلک العطب!.

یا هشام، ایاک و مخالطة الناس و الأنس بهم، الا أن تجد منهم عاقلا و مأمونا فأنس به، واهرب من سائرهم کهربک من السباع الضاریة. و ینبغى للعاقل اذا عمل عملا أن یستحیى من الله، و اذا تفرد له بالنعم أن یشارک فى عمله أحدا غیره. و اذا مر بک أمران لا تدرى أیهما خیر و أصوب، فانظر أیهما أقرب الى هواک فخالفه، فان کثیر الصواب فى مخالفة هواک. و ایاک أن تغلب الحکمة و تضعها فى الجهالة.

قال هشام: فقلت له: فان وجدت رجلا طالبا [لها] غیر أن عقله لا یتسع لضبط ما ألقى الیه؟.

قال علیه‏السلام: فتلطف له فى النصیحة؛ فان ضاق صدره [ف]لا تعرضن

نفسک للفتنة. واحذر رد المتکبرین، فان العلم یذل على أن یملى على من لا یفق – أى لا ینتبه من الغفلة -.

قلت: فان لم أجد من یعقل السؤال عنها؟.

قال علیه‏السلام: فاغتنم جهله عن السؤال حتى تسلم من فتنة القول، و عظیم فتنة الرد. و اعلم أن الله لم یرفع المتواضعین بقدر تواضعهم، ولکن رفعهم بقدر عظمته و مجده. و لم یؤمن الخائفین بقدر خوفهم، ولکن آمنهم بقدر کرمه وجوده. و لم یفرج المحزونین بقدر حزنهم، ولکن بقدر رحمته و رأفته!. فما ظنک بالرؤوف الرحیم الذى یتودد الى من یؤذیه بأولیائه، فکیف بمن یؤذى فیه؟!.و ما ظنک بالتواب الرحیم الذى یتوب على من یعادیه، فکیف بمن یترضاه و یختار عداوة الخلق مه؟!.

یا هشام، من أحب الدنیا ذهب خوف الآخرة من قلبه. و ما أوتى عبد علما فازداد للدنیا حبا، الا ازداد من الله بعدا، و ازداد الله علیه غضبا.

یا هشام، ان العاقل اللبیب من ترک ما لا طاقة له به. و أکثر الصواب فى خلاف الهوى. و من طال أمله، ساء عمله.

یا هشام، لو رأیت مسیر الأجل، ألهاک عن الأمل!.

یا هشام، ایاک و الطمع، و علیک بالیأس مما فى أیدى الناس. و أمت الطمع من المخلوقین، فان الطمع مفتاح للذل، و اختلاس للعقل، و اختلاق المروات، و تدنیس العرض، و الذهاب بالعلم. و علیک بالاعتصام بربک و التوکل علیه، و جاهد نفسک لردها عن هواها، فانه واجب علیک کجهاد عدوک.

قال هشام: فقلت له: فأى الأعداء أوجبهم مجاهدة؟.

قال علیه‏السلام: أقربهم الیک، و أعداهم لک، و أضرهم بک، و أعظمهم‏

لک عدواة، و أخفاهم لک شخصا مع دنوه منک، و من یحرض أعداءک علیک، و هو ابلیس الموکل بوسواس القلوب. فله فلتشتد عدواتک. و لا یکونن أصبر على مجاهدتک لهلکتک منک على صبرک لمجاهدته. فانه أضعف منک رکنا فى قوته، و أقل منک ضررا فى کثرة شره اذا أنت اعتصمت بالله فقد هدیت الى صراط مستقیم.

یا هشام، من أکرمه الله بثلاث فقد لطف له: عقل یکفیه مؤونة هواه، و علم یکفیه مؤونة جهله، و غنى یکفیه مخافة الفقر.

یا هشام، احذر هذه الدنیا و احذر أهلها، فان الناس فیها على أربعة أصناف: رجل مترد معانق لهواه، و متعلم مقرى‏ء کلما ازداد علما ازداد کبرا، و یستعلى بقراءته و بعلمه على من هو دونه. و عابد جاهل یستصغر من هو دونه فى عبادته، یحب أن یعظم و یوقر. و ذى بصیرة، عالم، عارف بطریق الحق، یحب القیام به، فهو عاجز أو مغلوب، فلا یقدر على القیام بما یعرف، فهو محزون مغموم بذلک؛ فهو أمثل أهل زمانه و أوجههم عقلا.

یا هشام، اعرف العقل و جنده، و الجهل و جنده، تکن من المهتدین.

قال هشام: فقلت: جعلت فداک، لا نعرف الا ما عرفتنا.

فقال علیه‏السلام: یا هشام، ان الله خلق العقل. و هو أول خلق خلقه الله من الروحانیین عن یمین العرش، من نوره، فقال له: أدبر، فأدبر؛ ثم قال له: أقبل فأقبل. فقال الله جل و عز: خلقتک خلقا [عظیما] و کرمتک على جمیع خلقى. ثم خلق الجهل من البحر الأجاج الظلمانى، فقال له: أدبر، فأدبر؛ ثم قال له: أقبل، فلم یقبل. فقال: استکبرت!. فلعنه. ثم جعل للعقل خمسة و سبعین جندا. فلما رأى الجهل ما کرم الله به العقل و ما أعطاه، أضمر له العداء. فقال الجهل: یا رب هذا خلق مثلى، خلقته و کرمته و قویته، و أنا ضده و لا قوة لى به. أعطنى من الجند مثلما أعطیته، فقال تبارک

و تعالى: نعم، فان عصیتنى بعد ذلک أخرجتک و جندک من جوارى و من رحمتى. فقال: قد رضیت. فأعطاه الله خمسه و سبعین جندا. فکان مما أعطى العقل من الخمسة و السبعین جندا الخیر، و هو وزیر العقل. و جعل ضده الشر، و هو وزیر الجهل.

[و هذه جنود العقل، و ما یقابلها من جنود الجهل: ]

الایمان – الکفر، التصدیق – التکذیب، الاخلاص – النفاق، الرجاء- القنوط، العدل – الجور، الرضى – السخط، الشکر – الکفران، الیأس – الطمع، التوکل – الحرص، الرأفة – الغلظة، العلم – الجهل، العفة – التهتک، الزهد – الرغبة الرفق – الخرق، الرهبة – الجرأة، التواضع – الکبر، التودة- العجلة، الحلم – السفه، الصمت – الهذر، الاستسلام – الاستکبار، التسلیم – التجبر، العفو- الحقد، الرحمة- القسوة، الیقین – الشک، الصبر – الجزع، الصفح – الانتقام، الغنى – الفقر، التفکر – السهو، الحفظ – النسیان، التواصل – القطیعة، القناعة – الشره، المواساة – المنع، المودة- العداوة، الوفاء – الغدر، الطاعة – المعصیة، الخضوع – التطاول، السلامة – البلاء، الفهم – الغباوة، المعرفة – الانکار، المداراة – المکاشفة، سلامة الغیب – المماکرة، الکتمان – الافشاء، البر -العقوق، الحقیقة- التسویف، المعروف – المنکر، التقیة – الاذاعة، الانصاف – الظلم، التقى – الحسد، النظافة – القذر، الحیاء – القحة، القصد – الاسراف، الراحة – التعب، السهولة – الصعوبة، العافیة – البلوى، القوام – المکاثرة، الحکمة- الهوى، الوقار – الخفة، السعادة- الشقاء، التوبة – الاصرار، المحافظة- التهاون، الدعاء – الاستنکاف، النشاط – الکسل، الفرح – الحزن،الألفة – الفرقة، السخاء – البخل، الخشوع – العجب، صون الحدیث – النمیمة، الاستغفار – الاغترار، الکیاسة- الحمق.

یا هشام، لا تجمع هذه الخصال الا لنبى أو وصى، أو مؤمن امتحن الله قلبه للایمان. و أما سائر الناس من المؤمنین فان أحدهم لا یخلو من أن یکون فیه بعض هذه الجنود من أجناد العقل، حتى یستکمل العقل و یتخلص من جنود الجهل؛ فعند ذلک یکون فى الدرجة العلیا مع الأنبیاء و الأوصیاء علیهم الصلاة و السلام. وفقنا الله و ایاکم لطاعته(60) و عند مثل هذه الوصیة الکریمة الجامعة المانعة یقف کل فکر عن الزیادة و التعلیق، و یقف کل قلم عن التحلیل و التأویل، اذ یقصر کل ذهن عن بلوغ معانیها السامیة، و یسیر کل مفکر لاهثا وراء بیان محتواها ثم لا یدرک أن یقول کلمة حولها.

و الحمدلله رب العالمین أولا و آخرا.


1) انظر الاختصاص ص 22 نقلا عن تحف العقول ص 108 و انظر أیضا الأنوار البهیة ص 157.

2) الأنوار البهیة ص 157 و معانى الأخبار ص 343.

3) الأنوار البهیة ص 157 هى و ما قبلها.

4) الأنوار البهیة ص 158.

5) سورة البقرة: 34.

6) تجد کل ما سبق فى تحف العقول من ص 301 الى ص 305.

7) کل ما سبق موجود فى تحف العقول ص 297.

8) المحجة البیضاء ج 4 ص 16 عن الکافى ص 174.

9) المحجة البیضاء ج 3 ص 33 نقلا عن الکافى ص 284.

10) المصدر السابق.

11) معانى الأخبار ص 144-143.

12) کشف الغمة ج 3 ص 43-42.

13) کشف الغمة ج 3 ص 47.

14) المصدر السابق ص 8.

15) المصدر السابق ص 412.

16) الکافى م 1 ص 56.

17) مناقب آل أبى‏طالب ج 4 ص 314.

18) المحجة البیضاء ج 3 بین الصفحة 60 و الصفحة 64.

19) المصدر السابق ص 74 نقلا عن مکارم الأخلاق ص 281.

20) المصدر السابق ص 18 عن مکارم الأخلاق ص 176.

21) المحجة البیضاء ج 3 ص 37 و ص 96.

22) المصدر السابق ص 111.

23) المصدر السابق ص 124 و ص 125 نقلا عن الکافى.

24) المصدر السابق ص 443 نقلا عن الکافى.

25) مناقب آل أبى‏طالب ج 4 ص 315-314.

26) سورة الشعراء: 214.

27) سورة الأحزاب: 5.

28) الکافى م 1 من ص 539 الى ص 543.

29) سورة الزمر: 18-17.

30) سورة البقرة: 164-163.

31) سورة النحل: 12.

32) سورة الزخرف: 3-1.

33) سورة الروم: 24.

34) سورة الأنعام: 32.

35) سورة القصص: 60.

36) سورة الصافات: 138-136.

37) سورة العنکبوت: 43.

38) سورة البقرة: 170.

39) سورة الأنفال: 22.

40) سورة لقمان: 25.

41) سورة الأنعام: 116.

42) سورة الأنعام: 37 و الأعراف: 130 و هى مکررة فى عدة سور.

43) سورة الزخرف: 66.

44) سورة سبأ: 13.

45) سورة ص: 24.

46) سورة هود: 40.

47) سورة البقرة: 269.

48) سورة آل عمران: 7.

49) سورة آل عمران: 190.

50) سورة الرعد: 19.

51) سورة الزمر: 9.

52) سورة ص: 29.

53) سورة المؤمن: 54-53.

54) سورة الذاریات: 55.

55) سورة ق: 37.

56) سورة لقمان: 12.

57) سورة آل عمران: 8.

58) هذه الوصیة موجودة الى هنا فى الکافى م 1 من ص 13 الى ص 20.

59) سورة الرحمن: 60.

60) هى بکاملها فى تحف العقول من ص 283 الى ص 297 و انظر الى قسم کبیر منها فى الکافى م 1 من ص 13 الى ص 20.