جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

آیاته و معجزاته

زمان مطالعه: 18 دقیقه

قال أبوبصیر رحمه الله:

«قلت لأبى الحسن، موسى: جعلت فداک، بم یعرف الامام؟.

قال: بخصال.

أما أولاهن، فانه شى‏ء قد تقدم فیه عن أبیه، و أشار الیه لیکون حجة.

و یسأل فیجیب، و اذا سکت عنه ابتدأ،

و یخبر بما فى غده،

و یکلم الناس بکل لسان.

ثم قال: یا أبامحمد، أعطیک علامة قبل أن تقوم.

فلم ألبث أن دخل علیه رجل من خراسان، فکلمه الخراسانى بالعربیة، فأجابه أبوالحسن بالفارسیة.

فقال الخراسانى: والله ما منعنى أن أکلمک بالفارسیة الا أنى قد ظننت أنک لا تحسنها.

فقال: سبحان الله!. اذا کنت لا أحسن أن أجیبک، فما فضلى علیک فیما أستحق به الامامة؟!.

ثم قال: یا أبامحمد، ان الامام لا یخفى علیه کلام أحد من الناس، و لا منطق الطیر، و لا کلام شى‏ء فیه روح»(1)

أجل، ولو لا ذلک لما کان حجة على المخلوقین، و لا اماما للانس و الجن.

و ان الذى ینتدبه ربه للأمر العظیم، لابد أن یکون عظیما لا شبیه له فى العظماء. فلو فاقه أحد بخلة من الخلال، لظهر فیه عدم الکفاءة؛ ولو سها عن باله أمر، صغیر أو کبیر، لکان جاهلا بما یعلمه غیره، و تعالى الله عن أن یرصد لأمره الا انسانا کاملا فى سائر معانیه.

و قال بدر مولى الرضا:

«ان اسحاق بن عمار دخل على موسى بن جعفر علیه‏السلام فجلس عنده، اذ استأذن رجل خراسانى فکلمه بکلام لم یسمع مثله کأنه کلام الطیر!.

قال اسحاق: فأجابه موسى بمثله، و بلغته الى أن قضى و طره من مساءلته، و خرج من عنده. فقلت: ما سمعت مثل هذا الکلام!.

قال – أى الامام علیه‏السلام -: هذا کلام قوم نم أهل الصین، و لیس کلام کل أهل الصین مثله.

ثم قال: أتعجب من کلامى؟!.

قلت: هو موضوع العجب.

قال: أخبرک بما هو أعجب منه. ان الامام یعلم منطق الطیر، و نطق کل ذى روح خلقه الله، و ما یخفى على الامام شى‏ء»(2)

نعم، و من شک فى ذلک فقد شک مسبقا بامامة الامام، بل یکون قد شک بقدرة الله تعالى على کل شى‏ء، و من ثم لم یعط الامامة معناها الحقیقى، و جل الله و عز عن أن یضع خلیفة له یفتقر الى شى‏ء یوجد عند غیره، و تعالى علوا کبیرا عن أن یجعل العصفور یفهم لغة العصافیر، و الامام یعجز عن ذلک. بل ینبغى أن یکون خلیفته على مستوى مرکزه الربانى، رضینا بذلک أم أبینا، و عقلناه أم أنکرناه… فلا یجوز أن یمثل الدولة سفیر لا تتوفر فیه الکفاءات اللائقة بالسفارة عن دولته؛ و الدولة التى لا تحسن اختیار مندوبها تکون قد أخفقت فعلا فى ممارسة أعمالها. فلا بد للامام أن یعرف کل ما یجرى من حوله فى الأرض من أطرافها باذن ربه عزوعلا، و اذا تفوق علیه فى فضل أو علم أو فقه أو معرفة، لبطل اختیاره و کان المتفوق علیه أولى بالمرکز منه.

و روى محمد بن جزل أن یاسر الخادم قال:

«کان غلمان أبى‏الحسن علیه‏السلام – أى خدمه – فى البیت: صقالبة وروما. و کان أبوالحسن علیه‏السلام قریبا منهم فسمعتهم باللیل یتراطنون بالصقلبیة و الرومیة – أى یتکلمون بغیر العربیة – و یقولون: انا کنا نقتصد فى بلادنا فى کل سنة، ثم لم نفتصد هاهنا.

فلما کان من الغد، وجه أبوالحسن علیه‏السلام الى بعض الأطباء فقال له: افصد فلانا عرق کذا و کذا، و افصد فلانا عرق کذا و کذا، ثم قال: یا یاسر، لا تفتصد أنت.

قال – یاسر -: فافتصدت، فورمت یدى و اخضرت.

فقال: یا یاسر، مالک؟!.

فأخبرته، فقال: ألم أنهک عن ذلک؟. هلم یدک.

فمسح یده علیها، و تفل فیها، ثم أوصانى أن لا أتعشى. فکنت بعد ذلک کم شاء الله أتغافل و أتعشى، فیضرب على»(3) – أى یهیج جرحه -.

فمن الذى دل الامام علیه‏السلام على معنى ما تراطن به خدمه… و من علمه الطب و الفصد، و دله على عرق کل واحد یجوز فصده فیه، ثم نبهه الى أن الخادم یاسر لا ینبغى له أن یفتصد؟.

هل دله الطبیب؟!. لا، بل هو الذى دل الطبیب، و هو الذى أرشد الخادم أن لا یتعشى حتى لا یضطرب فصده و تتورم یده.

و انها لتساؤلات هامة یجوز أن تصدر فى حق غیر الامام. أما الامام فهو امام الطبیب، و العالم، و الفیلسوف، و الفقیه، و کل مخلوق… و ان الذى اختاره للولایة، أعطاه کل أسباب الدرایة و العلم.

قال على بن حمزة: «دخل رجل من موالى أبى‏الحسن علیه‏السلام، فقال: جعلت فداک، أحب أن تتغدى عندى.

فقام أبوالحسن حتى مضى معه؛ و دخل البیت فاذا فى البیت سریر، قعد على السریر و اذ تحت السریر زوج حمام. فهدر الذکر على الأنثى، و ذهب الرجل لیحمل الطعام، فرجع و أبوالحسن علیه‏السلام یضحک.

قال: أضحک الله سنک، مم ضحکت؟.

فقال: ان هذا الحمام هدر على هذه الحمامة فقال لها: یا سکنى

و عرسى، والله ما على وجه الأرض أحد أحب الى منک الا هذا القاعد على السریر!.

قلت: جعلت فداک، و تفهم کلام الطیر؟!.

قال: نعم، علمنا منطق الطیر، و أوتینا من کل شى‏ء».(4)

و الحقیقة أن الامام علیه‏السلام یؤتى من الله کل شى‏ء، الا ما استأثر به ربه عزوجل لنفسه. و کدلیل على أن امام الزمان یفهم لغة کل ذى روح من الانسان و الحیوان و الطیر، نورد لک القصة التالیة:

قال على بن حمزة البطائنى: «خرج أبوالحسن، موسى علیه‏السلام فى بعض الأیام من المدینة الى ضیعة له خارجة عنها، فصحبته. و کان علیه‏السلام راکبا بغلة و أنا على حمار لى. فلما صرنا فى بعض الطریق اعترضنا أسد فأحجمت عنه خوفا، و أقبل أبوالحسن علیه‏السلام غیر مکترث به. فرأیت الأسد یتذلل لأبى الحسن و یهمهم. فوقف له أبوالحسن علیه‏السلام کالمصغى الى همهمته. و وضع الأسد یده على کفل بغلته!. و قد همتنى نفسى من ذلک و خفت خوفا عظیما.

ثم تنحى الأسد الى جانب الطریق، و حول أبوالحسن علیه‏السلام وجهه الى القبلة و جعل یدعو و یحرک شفتیه بما لم أفهمه. ثم أومى بیده الى الأسد أن امض، فهمهم الأسد همهمة طویلة، و أبوالحسن علیه‏السلام یقول: آمین، آمین.

ثم انصرف الأسد حتى غاب عنا، و مضى أبوالحسن علیه‏السلام لوجهه.

فلما بعدنا عن الموضع قلت له: جعلت فداک، ما شأن هذا الأسد، فقد خفت والله علیک، و عجبت من شأنه معک!.

فقال لى أبوالحسن علیه‏السلام: انه خرج یشکو الى عسر الولادة على لبوءته – أى أنثاه – وسألنى أن أسأل الله تعالى أن یفرج عنها؛ ففعلت ذلک و ألقى فى روعى أنها تلد ذکرا، فخبرته بذلک، فقال لى: امض فى حفظ الله، و لا سلط الله علیک، و لا على ذریتک، و لا على أحد من شیعتک، شیئا من السباع. فقلت: آمین»(5)

و هى آیة فى غایة الغرابة لو حدثت مع أى انسان… الا مع الامام فانها طبیعیة؟ و هى من صلب وظیفته کهمزة صلة بین السماء و الأرض، ولو تعجبنا نحن منها فذلک لقصور أفهامنا.

و روى أن على بن یقطین قال:

«استدعى الرشید رجلا یبطل به أمر أبى‏الحسن، و یخجله فى المجلس. فانتدب له رجل معزم. – و هو الذى یستعمل الرقى و السحر -.

فلما أحضرت المائدة، عمل ناموسا – أى احتیالا و سحرا – على الخبز. فکان کلما رام خادم أبى‏الحسن تناول رغیف من الخبز، طار من بین یدیه!.

و استقر هارون الفرح والضحک لذلک.

فلم یلبث أبوالحسن أن رفع رأسه الى أسد مصور على بعض الستور، فقال له: یا أسدالله، خذ عدوالله.

قال: فوثبت تلک الصورة کأعظم ما یکون من السباع، فافترس ذلک المعزم!

فخر هارون و ندماؤه على وجوههم مغشیا علیهم، و طارت عقولهم من هول ما رأوه!.

فلما أفاقوا من ذلک بعد حین، قال هارون لأبى‏الحسن علیه‏السلام: أسألک بحقى علیک لما سألت الصورة أن ترد الرجل.

فقال [علیه‏السلام]: ان کانت عصا موسى ردت ما ابتلعته من حبال القوم و عصیهم، فان هذه الصورة ترد ما ابتلعته من هذا الرجل»(6)

فسلام علیک یا سیدى و مولاى یا أباالحسن، فانک قد أبطلت افکهم و سحرهم و خروا مغشیا علیهم فزعا و رعبا، کما خر سحرة فرعون ساجدین ایمانا و تصدیقا.

و کما سجد سحرة فرعون تعظیما لله حین وقعت معجزة موسى علیه‏السلام، فکذلک وقع أعداؤک مغمى علیهم أمام عظمتک و قدرتک التى وهبها لک ربک عزوعلا… و یا لیتهم ما أفاقوا من غشیتهم و لا استفاقوا….

و مثل هذه الظاهرة الباهرة نرى فى القصة التالیة أیضا.

«فى روایة أن الرشید أمر حمید بن مهران الحاجب بالاستخفاف به علیه‏السلام.

فقال له: ان القوم قد افتتنوا بک بلا حجة. فأرید أن یأکلنى هذان الأسدان المصوران على المسند.

فأشار علیه‏السلام الیهما، و قال: خذا عدوالله!.

فأخذاه، و أکلاه ثم قالا: و ما الأمر؟. أنأخذ الرشید؟.

قال: لا، عودا الى مکانکما»(7)

فیا هارون، بل یا قارون السلطة، هل بقى عندک رشد ان کنت تملک الرشد، بعد هذه النازلة الهائلة؟.انها قد أودت بصاحبک الوقح الذى غششته فأوردته مورد الهلاک فى الدنیا و الآخرة…

و اذا کان الامام علیه‏السلام قد خلع علیه صفة عدوالله، فأیة صفة یخلع علیک لو کنت تعقل؟!. مات صاحبک و غله فى صدره، و مت أنت فدفن معک حقک و مکرک… و کفرک… ولم یکن الامام علیه‏السلام بصدد طلب سلطان فى الدنیا، بل کان شأنه کشأن آبائه علیهم‏السلام، یبطل ما أنت علیه، کما أبطلوا ما کان آباؤک علیه…

و عن عبدالله بن المغیرة أنه قال:

«مر العبد الصالح بامرأة بمنى و هى تبکى و صبیانها من حولها یبکون، و قد ماتت لهم بقرة.

فدنا منها، ثم قال لها: ما یبکیک یا أمة الله؟.

قالت: یا عبدالله، ان لنا صبیانا یتامى، و کانت لى بقرة معیشتى و معیشة صبیانى کان منها، و قد ماتت، و بقیت منقطعا بى و بولدى لا حیلة لنا.

فقال: یا أمة الله، هل لک أن أحییها لک!.

فألهمت أن قالت: نعم، یا عبدالله.

فتنحى، و صلى رکعتین، ثم رفع یده هنیئة و حرک شفیته. ثم قام

فصوت بالبقرة، فنخسها نخسة – أى و کزها بعود فى جسمها – أو ضربها برجله، فاستوت على الأرض قائمة.

فلما نظرت المرأة الى البقرة، صاحت و قالت: عیسى بن مریم و رب الکعبة!.

فخالط الناس و صار بینهم، و مضى علیه‏السلام».(8)

و هذه آیة و معجزة ثالثة.

فالأولى کمعجزة سلیمان علیه‏السلام الذى علم منطق الطیر،

والثانیة کمعجزة موسى علیه‏السلام حین أبطل السحر و ما جاء به الساحرون،

و الثالثة – هذه – کواحدة من معاجز المسیح عیسى بن مریم، سلام الله علیهما. و کهذه، و تلک و تلک، ما جاء فى القصة التى رواها الثقة التقى على بن أبى‏حمزة الذى قال:

«أخذ بیدى موسى بن جعفر یوما فخرجنا من المدینة الى الصحراء، فاذا نحن برجل مغربى على الطریق یبکى و بین یدیه حمار میت، و رحله مطروح.

فقال له موسى: ما شأنک؟.

قال: کنت مع رفقائى نرید الحج، فمات حمارى هاهنا، و بقیت و مضى أصحابى. و بقیت متحیرا لیس لى شى‏ء أحمل علیه.

فقال له موسى: لعله لم یمت.

فقال: أما ترحمنى، حتى تلهو بى؟!.

قال: ان عندى رقیة جیدة.

قال الرجل: ما یکفینى ما أنا فیه، حتى تستهزى‏ء بى؟!.

فدنا موسى علیه‏السلام من الحمار، و دعا بشى‏ء لم أسمعه، و أخذ قضیبا کان مطروحا فنخسه به وصاح علیه، فوثب قائما صحیحا سلیما.

فقال: یا مغربى أترى هاهنا شیئا من الاستهزاء؟!. الحق بأصحابک.

ومضینا و ترکناه.

قال على بن حمزة: فکنت واقفا یوما على زمزم، و اذا المغربى هناک.

فلما رآنى عدا الى وقبلنى فرحا مسرورا. فقلت: ما حال حمارک؟.

فقال: هو والله صحیح سلیم، و لا أدرى من أین من الله على و أحیا لى حمارى بعد موته.

فقلت له: قد بلغت حاجتک، فلا تسأل عما لا تبلغ معرفته»(9)

فکل واحد من أئمتنا صلوات الله علیهم، یکون مسیح زمانه، لأن القدرة الالهیة التى سلحت عیسى علیه‏السلام بمواهبه و معاجزه، هى ذاتها تسلح کل منتجب لأمر الله بمواهب مماثلة تراها منه عند الحاجة الیها کدلیل قاطع على صلته الحقیقیة بالسماء التى اختارته لخیر البشر.

… قال اسحاق بن عمار:

«لما حبس هارون أباالحسن علیه‏السلام، دخل علیه أبویوسف – قاضى

قضاة القصر – و محمد بن الحسن، صاحبا أبى‏حنیفة، فقال أحدهما للآخر: نحن على أحد أمرین، اما أن نساویه، و اما أن نشککه – و فى بعض النسخ: نسکته، و هو الأصح -.

فجلسا بین یدیه، فجاء رجل کان موکلا به من قبل السندى، فقال: ان نوبتى قد انقضت، و أنا على الانصراف. فان کانت لک حاجة فأمرنى حتى آتیک بها فى الوقت الذى تلحقنى النوبة.

فقال [علیه‏السلام]: ما لى حاجة.

فلما خرج قال لأبى یوسف، و محمد بن الحسن: ما أعجب هذا، یسألنى أن أکلفه حاجة لیرجع، و هو میت فى هذه اللیلة.

قال: فغمز أبویوسف محمد بن الحسن، فقاما.

فقال أحدهما للآخر: انا جئنا نسأله عن الفرض و السنة، و هو الآن جاء بشى‏ء آخر کأنه من علم الغیب!.

ثم بعثا برجل مع الرجل الآخر فقالا: اذهب حتى تلازمه و تنظر ما یکون من أمره فى هذه اللیلة، و تأتینا بخبره من الغد.

فمضى الرجل حتى قام فى مسجد عند باب داره، فلما أصبح سمع الواعیة و رأى الناس یدخلون داره، فقال: ما هذا؟!.

قالوا: مات فلان فى هذه اللیلة فجأة، من غیر علة.

فانصرف الیهما فأخبرهما، فأتیا أباالحسن علیه‏السلام فقالا: قد علمنا أنک أدرکت العلم فى الحلال و الحرام، فمن أین أدرکت أمر هذا الرجل الموکل أنه یموت فى هذه اللیلة؟!.

قال: من الباب الذى کان أخبر بعلمه رسول الله صلى الله علیه و اله و سلم على بن أبى‏طالب علیه‏السلام.

فلما ورد علیهما هذا، بقیا لا یحیران جوابا»(10)

و حق لهما أن یسکتا و لا یجیباه علیه‏السلام.

فقد دخلا علیه لیماحکاه مماحکة مقصودة، فرماهما بمعجزة سماویة أبقتهما جامدین باهتین، بلا جواب و لا احتجاج… فلم یساویاه، و لم یسکتاه، بل عادا خائبین.

و أعجب من الآیة السابقة التى تدهش من لا یعرف علم الامام و لا قدرته، آیة السرقین الذى أراد هارون العنید أن یعبث به مع الامام علیه‏السلام، فأراه الامام عجبا.

فقد «روى أن هارون الرشید بعث یوما الى موسى علیه‏السلام، على ید ثقة له، طبقا من السرقین الذى هو على هیئة التین، و أراد استخفافه.

فلما وضع الازار عنه، فاذا هو من أحلى التین و أطیبه!. فأکل علیه‏السلام، و أطعم الحامل منه، ورد بعضه الى هارون الرشید.

فلما تناوله هارون الرشید صار سرقینا فى فیه – أى لما أکل منه – و کان تینا جنیا»(11)

فیا خلیفة الزمان… الذى استخلفه، على عرش رسول الله، الشیطان:

أردت الاستخفاف بامام الزمان، ففقأ فى عینک حصرمة، وفقا فى فیک سرقینا حریفا، بعد أن قلبه الله تعالى فى فمه الشریف تینا لذیذا…

و عن على بن حمزة رحمه الله، قال:

«کنت معتکفا فى مسجد الکوفة، اذ جاءنى أبوجعفر الأحول بکتاب مختوم من أبى‏الحسن علیه‏السلام.

فقرأت کتابه، فاذا فیه: اذا قرأت کتابى الصغیر الذى فى جوف کتابى المختوم فأحرزه حتى أطلبه منک.

فأخذ على الکتاب فأدخله بیت بزه – أى محل ثیابه – فى صندوق مقفل فى جوف قمطر – أى محفظة – فى جوف حق – صندوق صغیر – مقفل، و باب البیت مقفل، و مفاتیح هذه الأقفال فى حجرته. فاذا کان اللیل فهى تحت رأسه، و لیس یدخل بیت البز غیره.

فلما حضر الموسم خرج الى مکة، و أفاد بجمیع ما کتب الیه من حوائجه.

فلما دخل علیه، قال له العبد الصالح: یا على، ما فعلت بالکتاب الصغیر الذى کتبت الیک فیه أن احتفظ به؟.

فحکیته. – أى قص علیه کیف خبأه داخل الأقفال -.

قال: اذا نظرت الى الکتاب، ألیس تعرفه؟.

قلت: بلى.

فرفع مصلى تحته، فاذا هو قد أخرجه الى، فقال: احتفظ به. فلو تعلم ما فیه لضاق صدرک.

قال على: فرجعت الى الکوفة و الکتاب معى. فأخرجته فى درور جیبى عند ابطى.

فکان الکتاب: حیاة على فى جیبه. فلما مات على قال محمد و حسن،

ابناه: فلم یکن لنا هم الا الکتاب. ففقدناه فعلمنا أن الکتاب قد صار الیه»(12)

فما ألطف هذه المعجزة، حین أبرز أبوالحسن علیه‏السلام الکتاب لصاحبه فى مکة، مع أن صاحبه ترکه فى الکوفة داخل أقفال و أقفال.

فکیف حصل علیه من وراء أربعة أقفال؟!. بالسحر؟. لا، بل بقدرة الله عزوجل الذى هو على کل شى‏ء قدیر، و الذى یفعل ما یستحیل فعله على الناس.

و أجمل ما فى هذه القصة أنه علیه‏السلام، قد رد الکتاب الى صاحبه و أمره أن یحتفظ به، و أخبره أنه لو عرف ما فیه لضاق صدره، لأن فیه موعد أجله و فراق الحیاة.

و بالمناسبة أحیى أمثال هذا الصاحب العظیم الذى یأتمر بأمر امامه الى هذا الحد و یحمل الکتاب بدنو موته سنة کاملة و لا یخطر بباله أن یفتح الکتاب امتثالا لأمر مولاه صلوات الله علیه.

و قال مولى لأبى عبدالله علیه‏السلام:

«کنا مع أبى‏الحسن علیه‏السلام حین قدم البصرة، فلما أن کان قرب المدائن رکبنا فى أمواج کثیرة، و خلفنا سفینة فیها امرأة تزف الى زوجها، و کانت لهم جلبة – أى ضجة و صراخ – فقال:

ما هذه الجلبة؟.

قلنا: عروس.

فما لبثنا أن سمعنا صیحة، فقال: ما هذا؟.

فقالوا: ذهبت العروس لتغترف ماء، فوقع منها سوار من ذهب، فصاحت.

فقال: احبسوا، و قولوا لملاحهم یحبس. – أى قفوا -.

فحبسنا، و حبس ملاحهم.

فاتکا على السفینة، و همس قلیلا – أى تکلم بکلام خفى – و قال:

قولوا لملاحهم یتزر بفوطة ثم ینزل فیتناول السوار.

فنظرنا فاذا السوار على وجه الأرض، و اذا ماء قلیل؛ فنزل الملاح و أخذ السوار.

فقال: أعطها، و قل لها فلتحمد الله ربها، ثم سرنا.

فقال له أخوه اسحاق: جعلت فداک، الدعاء الذى دعوت به، علمنیه.

قال: نعم، و لا تعلمه من لیس له بأهل، و لا تعلمه الا من کان من شیعتنا. ثم قال: اکتب، فأملاه على انشاء:

یا سابق کل فوت، یا سامعا لکل صوت قوى أو خفى، یا محیى النفوس بعد الموت، لا تغشاک الظلمات الحندسیة – أى الشدیدة العتمة – و لا تشابه علیک اللغات المختلفة، و لا یشغلک شى‏ء عن شى‏ء؛ یا من لا تشغله دعوة داع دعاه من الأرض، عن دعوة داع دعاه من السماء، یا من له عند کل شى‏ء من خلقه سمع سامع، و بصر نافذ، یا من لا تغلطه کثرة المسائل، و لا یبرمه الحاح الملحین، یا حى حین لا حى فى دیمومة ملکه و بقائه، یا من سکن العلى، و احتجب عن خلقه بنوره. یا من أشرقت لنوره دجاء الظلم، أسألک باسمک الواحد الأحد الفرد الصمد الذى هو من جمیع أرکانک کلها، صل على محمد و أهل بیته. ثم سل حاجتک»(13)

و ان هذه العزائم لو قرئت – بایمان صادق – على جبل لاندک و غار فى

الأرض، فانها کلمات تجعل البحر جمدا اذا صدرت عن قلب موقن بعظمة الخالق العظیم القادر على کل شى‏ء. و ان الامام علیه‏السلام، کان یفعل مثل هذه الغرائب لیثبت أصحابه على الحق، و لیشد قلوبهم، و یرسخ عقیدتهم، و یزید فى یقینهم، و یضمن لهم حسن المنقلب.

و قال الرافعى: «کان لى ابن‏عم یقال له: الحسن بن عبدالله. و کان زاهدا، و کان من أعبد أهل زمانه. و کان السلطان یتقیه لجده فى الدین و اجتهاده و ربما استقبل السلطان بالأمر بالمعروف، و النهى عن المنکر بما یغضبه، فیحتمل ذلک لصلاحه. فلم تزل هذه حاله حتى دخل یوما المسجد و فیه أبوالحسن، موسى علیه‏السلام، فأومأ الیه، فأتاه، فقال له:

یا با على، ما أحب الى ما أنت فیه، و أسرنى به!. الا أنه لیست لک معرفة. فاطلب المعرفة.

فقال له: جعلت فداک، و ما المعرفة؟!.

قال: اذهب تفقه واطلب الحدیث.

قال: عن من؟!.

قال: من فقهاء المدینة، ثم اعرض على الحدیث.

فذهب، فکتب. ثم جاء فعرضه علیه، فأسقط کله!.

ثم قال: اذهب فاعرف. و کان الرجل معنیا بدینه، فلم یزل یترصد أباالحسن حتى خرج الى ضیعة له. فلقیه فى الطریق فقال له: جعلت فداک، انى أحتج علیک بین یدى الله عزوجل، فدلنى على ما تجب على معرفته.

فأخبره أبوالحسن علیه‏السلام بأمر أمیرالمؤمنین علیه‏السلام و حقه و ما یجب له، و أمر الحسن و الحسین، و على بن الحسین، و محمد بن على، و جعفر بن محمد صلوات الله علیهم، ثم سکت.

فقال له: جعلت فداک، فمن الامام الیوم؟.

قال: ان أخبرتک تقبل منى؟.

قال: نعم.

قال: أنا هو.

قال: فشى‏ء أستدل به؟!.

قال: اذهب الى تلک الشجرة – و أشار الى بعض شجر أم غیلان – و قل لها: یقول لک موسى بن جعفر: أقبلى.

قال: فأتیتها، فرأیتها والله تخذ الأرض خدا – أى تشقها – حتى وقفت بین یدیه.

ثم أشار لها بالرجوع، فرجعت.

قال: فأقر به، ثم لزم الصمت و العبادة. و کان لا یراه أحد یتکلم بعد ذلک»(14)

و هذه من علاه احدى المعالى. و هى من معاجز جده سید الخلق نبینا محمد صلى الله علیه و اله و سلم، و کفى بذلک شرفا له علیه‏السلام.

قال الراوندى – رحمه الله تعالى -: الباب الثامن من معجزات موسى بن جعفر علیه‏السلام: «عن أبى‏الحسن، الرضا علیه‏السلام، قال:

قال أبى، موسى بن جعفر علیه‏السلام، لعلى بن أبى‏حمزة مبتدئا:

انک لتلقى رجلا من أهل المغرب یسألک عنى، فقل: هو الامام الذى قال لنا أبوعبدالله، الصادق علیه‏السلام. فاذا سألک عن الحلال و الحرام فأجبه.

قال: فما علامته؟.

قال: رجل طویل جسیم، اسمه یعقوب بن یزید، و هو رائد قومه. و ان أراد الدخول الى، فأحضره عندى.

قال على بن أبى‏حمزة: فوالله انى لفى الطواف، اذ أقبل رجل طویل جسیم فقال لى: انى أرید أن أسألک عن صاحبک.

قلت: عن أى الأصحاب؟.

قال: عن موسى بن جعفر علیه‏السلام.

قلت: ما اسمک؟

قال: یعقوب بن یزید.

قلت: من أین أنت؟.

قال: من المغرب.

قلت: من أین عرفتنى؟!.

قال: أتانى آت فى منامى فقال لى: الق على بن أبى‏حمزة، فسله عن جمیع ما تحتاج الیه. فسألت عنک، فدللت علیک.

قلت: اقعد فى هذا الموضع حتى أفرغ من طوافى و أعود الیک.

فطفت ثم أتیته فکلمته، فرأیت رجلا عاقلا فطنا، فالتمس منى الوصول الى موسى بن جعفر علیه‏السلام، فأوصلته الیه.

فلما رآه قال: یا یعقوب بن یزید، قدمت أمس و وقع بینک و بین أخیک

خصومة فى موضع کذا حتى تشاتمتما. و لیس هذا من دینى و لا دین آبائى؛ فلا نأمر بهذا أحدا من شیعتنا. فاتق الله، فانکما ستفترقان عن قریب بموت.

فأما أخوک فیموت فى سفرته هذه قبل أن یصل الى أهله، و تندم أنت على ما کان منک الیه. فانکما تقاطعتما، و تدابرتما، فقطع الله علیکما أعمارکما.

فقال الرجل: یابن رسول الله، فأنا متى یکون أجلى؟.

قال: کان قد حضر أجلک، فوصلت عمتک بما وصلتها فى منزل کذا و کذا، فنسأ الله فى أجلک عشرین حجة.

قال على بن أبى‏حمزة: فلقیت الرجل من قابل بمکة، فأخبرنى أن أخاه توفى و دفنه فى الطریق قبل أن یصلى الى أهله»(15)

فتأمل – یا قارئى الکریم – واحکم بما آتاک الله من انصاف، وطأطى‏ء بعدها رأسک لهذا الامام الکریم الذى دل صاحبه على المغربى، و فند للمغربى ما جرى له مع أخیه، و أخبره بما یجرى لأخیه قبل رجوعه لأهله، و بما فعله من صنیع جمیل مع عمته فى موضع کذا و کذا، فمد الله تعالى فى عمره عشرین سنة.. فمن أطلعه على ذلک مما کان، و مما سیکون؟!. معلوم.

و قال الحسن بن على، الوشاء: «حدثنى محمد بن یحیى، عن وصى على بن السرى،قال:

قلت لأبى الحسن، موسى بن جعفر علیه‏السلام: ان على بن السرى قد توفى و أوصى الى.

فقال: رحمه الله.

فقلت: و ان ابنه جعفرا وقع على أم ولد له، و أمرنى أن أخرجه من المیراث.

فقال: أخرجه، و ان کان صادقا فسیصیبه خبل – أى جنون -.

فرجعت، فقدمنى الى أبى‏یوسف القاضى، فقال له: أصلحک الله، أنا جعفر بن على السرى، و هذا وصى أبى؛ فمره أن یدفع الى میراثى من أبى.

فقال – أى القاضى -: ما تقول؟

قلت: نعم، هذا جعفر، و أنا وصى أبیه.

قال: فادفع الیه ماله.

فقلت له: أرید أن أکلمک.

فقال: ادنه.

فدنوت حیث لا یسمع أحد کلامى، فقلت: هذا وقع على أم ولد لأبیه، فأمرنى أبوه أخرجه من المیراث و لا أورثه شیئا. فأتیت موسى بن جعفر علیه‏السلام فى المدینة، فأخبرته و سألته، فأمرنى أن أخرجه من المیراث.

فلا أورثه شیئا.

فقال: الله!. ان أباالحسن أمرک بذلک؟!.

قلت: نعم.

فاستحلفنى ثلاثا، و قال: أنفذ ما أمرک به، فالقول قوله.

قال الوصى: وأصابه الخبل بعد ذلک.

و قال الحسن بن على، الوشاء: رأیته على ذلک – أى مخبلا-»(16)

فمن الذى أنبأ أباالحسن علیه‏السلام بأن جعفر بن على السرى سیصاب بالخبل؟

لقد قالها بمل‏ء فیه…لأنه لا ینطق عن ضرب بالرمل، بل هى أمر حادث عن قرب ویراه أمام ناظریه، و لا یرجم بالغیب، و لا یقول قول العرافین، بل یخبر عن علم کمن رأى و کمن سمع… و لا عجب اذ ترفده السماء بعطایاها السنیة.

«ان بعض الخلفاء من کان له نائب عظیم الشأن فى الدنیا، من ممالیکه الأعیان فى ولایة عامة طالت فیها مدته. و کان ذا سطورة و جبروت. فلما انتقل الى الله تعالى، أمر الخلیفة أن یدفن فى ضریح مجاور لضریح الامام موسى بن جعفر علیه‏السلام بالمشهد المطهر. و کان بالمشهد نقیب معروف مشهود له بالصلاح، فذکر أنه بعد دفن النائب المتوفى فى المشهد، رأى فى منامه أن القبر قد انفتح و النار تشتعل فیه، و قد انتشر منه دخان و رائحة قتار هذا المدفون فیه الى أن ملأت المشهد – أى رائحة العظام المحروقة-. و رأى أن الامام موسى الکاظم علیه‏السلام واقف، فصاح بهذا النقیب باسمه و قال له:

تقول للخلیفة: یا فلان – و سماه باسمه – لقد آذیتنى بمجاوره هذا الظالم، و قال کلاما خشنا.

فاستیقظ ذلک النقیب و هو یرتعد فزعا و خوفا!. فلم یلبث أن کتب ورقة و سیرها الى الخلیفة منهیا فیها صورة الواقعة بتفصیلها.

فلما جن اللیل، جاء الخلیفة الى المشهد المطهر بنفسه، و استدعى النقیب، و دخلوا الضریح، و أمر بکشف ذلک القبر و نقل ذلک المدفون الى موضع آخر خارج المشهد.

فلما کشفوه و جدوا فیه رماد الحریق، و لم یجدوا للمیت أثرا».(17)

فاذا کان حال النائب الظالم للخلیفة هکذا.

فما حال الخلیفة اذا کان ظالما و متعدیا؟!.

رباه!. ألم تجعل للسلاطین عقولا؟!

لقد تم احراق جثمان الحاکم الظالم لیلة دفنه… و تلقفنه ملائکة العذاب بلهیب النار!. و قلما یصدق ذلک ظلمة الحکام…

و عن المفضل بن عمر، قال:

«لما مضى الصادق کانت وصیته الى الکاظم علیه‏السلام، فادعى أخوه عبدالله الامامة، و کان أکبر ولد جعفر فى وقت ذلک، و هو المعروف بالأفطح.

فأمر موسى بجمع حطب کثیر فى وسط داره، و أرسل الى أخیه عبدالله أنت یصیر الیه. فلما صار الیه کان مع موسى جماعة من الامامیة.

فلما جلس موسى أمر بطرح النار فى الحطب، فاحترق و لا یعلم الناس السبب فیه، حتى صار الحطب کله جمرا، ثم قام موسى و جلس بثیابه فى وسط النار و أقبل یحدث الناس ساعة!.

ثم قام فنفض ثوبه و رجع الى المجلس فقال لأخیه عبدالله: ان کنت تزعم أنک الامام بعد أبیک فاجلس فى ذلک المجلس.

قالوا: فرأینا عبدالله قد تغیر لونه، وقام یجر رداءه حتى خرج من دار موسى علیه‏السلام»(18)

و هکذا کانت النار بردا و سلاما على امامنا الکاظم علیه‏السلام، کما کانت على أبیه ابراهیم خلیل الله علیه‏السلام من قبل. و امامنا حفیده – صلوات الله علیهما – فلا بأس أن یرث هذه المکرمة عن جده أبى‏الأنبیاء.

و ما ذکرناه من آیاته و بیناته یطلع القارى‏ء الکریم على عظمة حفید سید الخلق رسول الله صلى الله علیه و اله و سلم، و حفید أمیرالمؤمنین و الزهراء علیهما أفضل الصلاة والسلام.

و قال – أخیرا – خالد السمان:

«ان الرشید دعا رجلا یقال له: على بن صالح الطالقانى، و قال له: أنت الذى تقول: ان السحب حملتک من بلد الصین الى الطالقان؟!.

قال: نعم.

قال: فحدثنا کیف کان؟!.

قال: کسر مرکبى فى لجج البحر، فبقیت ثلاثة أیام على لوح تضربنى الأمواج. فألقتنى الأمواج الى البر؛ فاذا أنا بأنهار و أشجار، فنمت تحت ظل شجرة.

فبینا أنا نائم اذ سمعت صوتا هائلا، فانتبهت فزعا مذعورا، فاذا أنا بدابتین یقتتلان على هیئة الفرس لا أحسن أن أصفهما. فلما بصرا بى دخلا فى البحر.

فبینما أنا کذلک اذ رأیت طائرا عظیما الخلق وقع قریبا منى، بقرب کهف فى جبل، فقمت مستترا بالشجرة حتى دنوت منه لأتأمله. فلما رآنى

طار. و جعلت أقفو أثره. فلما قمت بقرب الکهف سمعت تسبیحا و تهلیلا و تکبیرا و تلاوة قرآن.

فدنوت من الکهف، فنادانى مناد من الکهف: أدخل یا على بن صالح الطالقانى رحمک الله.

فدخلت و سلمت، فاذا رجل فخم ضخم علیه الکرادیس، عظیم الجثة، أنزع، أعین، فرد على السلام و قال: یا على بن صالح الطالقانى، أنت من معدن الکنوز(19) و لقد أقمت ممتحنا بالجوع و العطش و الخوف لولا أن الله رحمک فى هذا الیوم، فأنجاک وسقاک شرابا طیبا. ولقد علمت الساعة التى رکبت فیها، و کم أقمت فى البحر، و حین کسر بک المرکب، و کم لبثت تضربک الأمواج، و ما هممت به من طرح نفسک فى البحر لتموت، اختیارا للموت لعظیم ما نزل بک، والساعة التى نجوت فیها، و رؤیتک لما رأیت من الصورتین الحسنتین، و اتباعک للطائر الذى رأیته واقفا، فلما رآک صعد طائرا الى السماء. فهلم فاقعد رحمک الله.

فلما سمعت کلامه قلت: سألتک بالله، من أعلمک بحالى؟.

فقال: عالم الغیب و الشهادة (الذى یراک حین تقوم (218) و تقلبک فى الساجدین (219))(20) ثم قال: أنت جائع. فتکلم بکلام تململت به شفتاه، فاذا بمائدة علیها مندیل، فکشفه و قال: هلم الى ما رزقک الله، فکل.

فأکلت طعاما ما رأیت أطیب منه. ثم سقانى ماء ما رأیت ألذ منه و لا أعذب. ثم صلى رکعتین، ثم قال: یا على، أتحب الرجوع الى بلدک؟.

فقلت: و من لى بذلک؟!.

فقال: کرامة لأولیائنا أن نفعل بهم ذلک. ثم دعا بدعوات، و رفع یدیه الى السماء و قال: الساعة الساعة، فاذا سحاب قد أظلت باب الکهف قطعا قطعا، و کلما وافت غمامة قالت: سلام علیک یا ولى الله و حجته، فیقول: و علیک السلام و رحمة الله و برکاته أیتها السحابة السامعة المطیعة. ثم یقول لها: أین تریدین؟.

فتقول: أرض کذا و کذا.

فیقول: لرحمة أو لسخط!.

فتقول: لرحمة أو سخط، و تمضى. حتى جاءت سحابة حسنة مضیئة فقالت: السلام علیک یا ولى الله و حجته.

قال: و علیک السلام أیتها السحابة السامعة المطیعة؛ أین تریدین؟.

فقالت: أرض الطالقان.

فقال: لرحمة أو لسخط؟.

فقالت: لرحمة.

فقال لها: احملى ما حملت مودعا فى الله.

فقالت: سمعا وطاعة.

قال لها: فاستقرى باذن الله على وجه الأرض.

فاستقرت. فأخذ بعض عضدى و أجلسنى علیها.

فعند ذلک قلت له: سألتک بالله العظیم، و بحق محمد خاتم النبیین، و على سید الوصیین، و الأئمة الطاهرین، من أنت، فقد أعطیت والله أمرا عظیما!.

فقال: ویحک یا على بن صالح، ان الله لا یخلى أرضه من حجة طرفة عین، اما باطن، و اما ظاهر. أنا حجة الله الظاهرة، و حجته الباطنة، أنا حجة الله یوم الوقت المعلوم، و أنا المؤدى الناطق عن الرسول، أنا فى وقتى هذا موسى بن جعفر.

فذکرت امامته و امامة آبائه.. و أمر السحابة بالطیران، فطارت.

والله ما وجدت ألما و لا فزعت. فما کان بأسرع من طرفة العین حتى ألقتنى بالطالقان، فى شارعى الذى فیه أهلى و عقارى سالما فى عافیة.

فقتله الرشید، و قال: لا یسمع بهذا أحد»(21)

فها قد سمعنا بذلک یا قارون العنید… رغما عنک.

أفترید أن تستر نور الشمس عن الأرض بکفک البالیة یا خلیفة الظلم.

ان قصة کهذه کلما حاولت طمسها، کلما ازدادت شیوعا، و کلما تحدثت بها الرکبان، و نقلها لسان الى سمع فالى لسان….

انک الآن تذوق مرارة تحدیک لمشیئة الله عزوجل، و تجنى ثمرة أعمالک التى أغضبت بها ربک حین ناصبت العداء لآل الرسول صلى الله علیه و علیهم، و حین قطعت رحمهم و هم أبناء عمومتک… ولن نلومک فقد سبقک الى أعظم منها، عمک أبولهب، فخلد الله تعالى ذمه فى القرآن، و أنت خلدت تاریخا لک أسود تعج بموبقاته بطون الکتب و أسفار التاریخ…

و عجبا ممن یعتبرک رشیدا فى کتب التاریخ و بین الناس!.


1) اعلام الورى ص 295 – 294 و الارشاد ص 274 و کشف الغمة ج 3 ص 14 و مناقب آل أبى‏طالب ج 4 ص 299.

2) کشف الغمة ج 3 ص 37.

3) الاختصاص ص 291- 290 و قال: و رواه الصفار فى بصائر الدرجات ج 7 باب 12 و نقله فى بحارالأنوار ج 7 ص 321.

4) بصائر الدرجات ج 7 ص 246.

5) الارشاد ص 277-276 و کشف الغمة ج 3 ص 17 و المحجة البیضاء ج 4 ص 275 – 274 و هو فى مناقب آل أبى‏طالب ج 4 ص 298 باختلاف یسیر فى اللفظ أول الحدیث.

6) مناقب آل أبى‏طالب ج 4 ص 299 و هى فى وفاة الامام موسى الکاظم ص 29-28 بلفظ قریب.

7) مناقب آل أبى‏طالب ج 4 ص 300.

8) الکافى م 1 ص 284 و مناقب آل أبى‏طالب ج 4 ص 309.

9) کشف الغمة ج 3 ص 38-37 و المحجة البیضاء ج 4 ص 280-278 نقلا عن مطالب السؤل ص 84.

10) کشف الغمة ج 3 ص 38.

11) کشف الغمة ج 3 ص 39-38.

12) مناقب آل أبى‏طالب ج 4 ص 304.

13) کشف الغمة ج 3 ص 30-29.

14) کشف الغمة ج 3 ص 14-13 و المحجة البیضاء ج 4 ص 272 و الارشاد ص 274-273 و مناقب آل أبى‏طالب ج 4 ص 288 و بصائر الدرجات ج 5 ص 255-254 و هو فى اعلام الورى ص 292 عن الواقفى.

15) کشف الغمة ج 3 ص 36- 35 و المحجة البیضاء ج 4 ص 279-278 و مناقب آل أبى‏طالب ج 4 ص 294 و هو فى الاختصاص ص 61 بتمامه، و قال: رواه الکشى فى رجاله، و الطبرى فى الدلائل ص 166 و هو فى بحارالأنوار ج 11 ص 241.

16) کشف الغمة ج 3 ص 30.

17) حلیة الأبرار ج 2 ص 249 و هو فى کشف الغمة ج 3 ص 6-5 مع اختلاف یسیر فى بعض ألفاظه.

18) کشف الغمة ج 3 ص 37-36 و المحجة البیضاء ج 4 ص 254 نقلا عن الخرائج و الجرائح ص 201-200.

19) فى الروایة الصحیحة أن فى الطالقان کنوزا أى کنوز، و هم عدد کبیر من أنصار الامام الحجة عجل الله تعالى فرجه. و قد سماهم الامام فى الروایة: کنوزا.

20) سورة الشعراء: 219-218.

21) مناقب آل أبى‏طالب ج 4 ص 32-31.