جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

بزوغ الفجر و أفول النور

زمان مطالعه: 27 دقیقه

و جاء أمر الله تبارک و تعالى… فبزغ النور حین اشراق الطلعة الهاشمیة، و التمع سناء هالة الامام السابع الشافع، سلیل النبوة و الوصیة، فى قریة (الأبواء) التى فیها قبر السیدة المطهرة آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله علیه و آله و علیها، على بعد ثلاثة و عشرین میلا من (الجحفة) مما یلى المدینة المنورة، و على طریق مکة المکرمة، فى السادس من شهر رجب سنة مئة، و ثمان و عشرین للهجرة النبویة الشریفة.(1)

و قد عاش فى ظل أبیه عشرین سنة خرس المؤرخون عن ذکر شى‏ء عنه فیها، خصوصا و من عادة الامام أن یتکلم بوجود الامام الذى یسبقه، اذ

لیس من تکلیفه الربانى أن یقوم بأى تحرک أو نشاط فى مجتمعه أثناء حیاة سلفه.ثم حمل أعباء الامامة بعد أبیه مدة خمس و ثلاثین سنة، فکان عمره الشریف خمسا و خمسین سنة تقریبا.

و قد لحق بالرفیق الأعلى یوم الخامس و العشرین من شهر رجب سنة مئة و ثلاث و ثمانین، و مات مسموما فى حبس هارون الرشید، و دفن فى مشهده الشریف المعروف فى ضاحیة بغداد، حیث ترتفع القبة و المآذن المذهبة التى تناطح السماء، و تحتضن یومیا آلاف و آلاف الزائرین.(2)

و هو الامام موسى، ابن‏الامام جعفر الصادق علیه‏السلام، و اسم أمه حمیدة البربریة، و لها غیره اسحاق و فاطمة. و یلقب بالکاظم لکظمه الغیظ تجاه ما لقى من الظالمین، و لکثرة تجاوزه و حلمه و سمو أخلاقه.

و من ألقابه: الصابر، و الصالح، و زین المجتهدین، و النفس الزکیة، و الأمین، و الوفى و الزاهر لأنه زهر بأخلاقه و کرمه.(3)

و یکنى بأبى الحسن الأول، و أبى‏ابراهیم، و أبى‏اسماعیل، و أبى‏على.(3)

و قد کان أزهر اللون، الا فى حال الغیظ لحرارة مزاجه.

و هو ربع، تمام، خضر، حالک، کث اللحیة.(3)

و بخصوص ولادته روى على بن أبى‏حمزة، عن أبى‏بصیر أنه قال:

«حججنا مع أبى‏عبدالله علیه‏السلام فى السنة التى ولد فیها ابنه موسى علیه‏السلام.

فلما نزلنا (الأبواء) – و هو موضع بین الحرمین – وضع لنا الغداء. و کان اذا وضع الطعام لأصحابه أکثر و أطاب. فبینا نحن نأکل اذ أتاه رسول حمیدة، فقال له: ان «حمیدة» تقول: قد أنکرت نفسى، و قد وجدت ما کنت أجد اذا حضرت ولادتى، و قد أمرتنى أن لا استبقک بابنک هذا.

فقام أبوعبدالله علیه‏السلام، فانطلق مع الرسول.

فلما انصرف – أى انتهى من الأمر – قال له أصحابه: سرک الله و جعلنا فداک. فما أنت صنعت من «حمیدة»؟.

قال: ذکرت أنه سقط من بطنها، حین سقط، واضعا یدیه على الأرض، رافعا رأسه الى السماء. فأخبرتها أن ذلک امارة رسول الله صلى الله علیه و اله و سلم، و امارة الوصى من بعده.

فقلت: جعلت فداک، و ما هذا من امارة رسول الله صلى الله علیه و اله و سلم، و امارة الوصى من بعده؟.

فقال لى: انه لما کانت اللیلة التى علق فیها بجدى، أتى آت جد أبى‏بکأس فیه شربة أرق من الماء، و ألین من الزبد، و أحلى من الشهد، و أبرد من الثلج، و أبیض من اللبن؛ فسقاه ایاه، و أمره بالجماع، فقام فجامع، فعلق

بجدى. و لما أن کانت اللیلة التى علق فیها بأبى، أتى آت جدى، فسقاه کما سقى جدى أبى، و أمره بمثل الذى أمره، فقام فجامع فعلق بأبى. و لما أن کانت اللیلة التى علق فیها بى، أتى آت أبى‏فسقاه مما سقاهم، و أمره بالذى أمرهم به فقام فجامع فعلق بى. و لما أن کانت اللیلة التى علق فیها بابنى، أتانى آت کما أتاهم، ففعل بى کما فعل بهم، فقمت بعلم الله، و انى مسرور بما یهب الله لى؛ فجامعت فعلق بابنى هذا المولود. فدونکم، فهو والله صاحبکم من بعدى.

ان نطفة الامام مما أخبرتک. و اذا سکنت النطفة فى الرحم أربعة أشهر و أنشى‏ء فیه الروح، بعث الله تبارک و تعالى ملکا یقال له: حیوان، فکتب على عضده الأیمن: (و تمت کلمت ربک صدقا و عدلا لا مبدل لکلماته و هو السمیع العلیم (115)).(4) و اذا وقع من بطن أمه، وقع واضعا یدیه على الأرض، رافعا رأسه الى السماء.

فأما وضعه یدیه على الأرض، فانه یقبض کل علم لله أنزله من السماء الى الأرض.

و أما رفعه رأسه الى السماء، فان منادیا ینادى به من بطنان العرش، من قبل رب العزة، من الأفق الأعلى، باسمه و اسم أبیه یقول: یا فلان بن فلان اثبت تثبت، فلعظیم ما، خلقتک!. أنت صفوتى من خلقى، و موضع سرى، و عیبة علمى، و أمینى على وحیى، و خلیفتى فى أرضى. لک و لمن تولاک أوجبت رحمتى، و منحت جنانى، و أحللت جوارى… ثم و عزتى و جلالى، لأصلین من عاداک أشد عذابى، و ان وسعت علیه فى دنیاى من سعة رزقى.

فاذا انقضى الصوت – صوت المنادى – أجاب هو واضعا یدیه، رافعا

رأسه یقول: (شهد الله أنه لا اله الا هو و الملائکة و أولوالعلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزیز الحکیم (18))(5)

فاذا قال ذلک أعطاه الله العلم الأول، و العلم الآخر، واستحق زیارة الروح – أى الروح القدس – فى لیلة القدر.

قلت: جعلت فداک، الروح لیس هو جبرائیل؟.

قال: الروح هو أعظم من جبرائیل، ان جبرائیل من الملائکة؛ و ان الروح هو خلق أعظم من الملائکة!. ألیس یقول الله تبارک و تعالى: (تنزل الملائکة و الروح…).(6)

و هکذا بین الامام الصادق علیه‏السلام أشیاء کثیرة من مواهب الله عز و علا للامام الذى یجتبیه للناس، و هى مواهب یؤمن بها من هدى الله تعالى قلبه للحق، و یسلم بها کأمور مخلوقه مع الامام، و هى لابد منها له، کما أنه لا بد لنا من العینین للنظر، و الأذنین للسمع، و الرجلین للمشى، و بقیة الأعضاء لتمام خلق الانسان الذى جعله سبحانه فى «أحسن» تقویم؛ و الامام لابد له من تلک المواهب حتى یتم خلقه و یکون فى «أعظم» تقویم، ممتازا عن الآخرین بتلک المواهب الربانیة.

و أما من کان لا یؤمن بهذا الواقع المؤکد، فلیبن صرحا و یطلع الى السماء لیسجل اعتراضا على «ارادة الله تعالى» و یبثه على الهواء… فیذهب هو و اعتراضه هباء فى هباء…

و کذلک روى البرقى أن منهال القصاب قال:

«خرجت من مکة و أنا أرید المدینة، فمررت (بالأبواء) و قد ولد لأبى عبدالله علیه‏السلام، فسبقته الى المدینة.

و دخل علیه‏السلام بعدى بیوم، و أطعم الناس ثلاثا. فکنت آکل فى من یأکل، فما آکل شیئا الى الغد حتى أعود فآکل. فکنت بذلک ثلاثا أطعم – أى آکل – حتى أرتفق – یعنى أتکى‏ء على مرفقى – ثم لا أطعم شیئا الى الغد».(7)

و هنیئا لک یا منهال هذا الطعام الطیب الذى کنت تنهال علیه «بالکف و الأربع أصابع»ثم لا تشبع منه حتى ترتفق لفرط لذته. و حق لأبى عبدالله أن یطعم أهل المدینة ثلاثة أیام متتالیة لیشارکوه هذه الفرحة السماویة، و لیشکروا معه هذه النعمة الربانیة التى تجلت ببزوغ نور مولود مبارک هو – بعد أبیه – أطهر من على ظهر الأرض.

أما طفولته فهى فذة کطفولة آبائه و أبنائه صلوات الله و سلامه علیهم.

و قد بدأها بمثل ما رواه زکریا بن آدم الذى قال:

«سمعت الرضا علیه‏السلام یقول: کان أبى‏ممن تکلم فى المهد»(8)

و هذا لیس بعجیب و ان کان خرقا للنوامیس الطبیعیة. فان أولیاء الله تعالى لا ینسحب علیهم ما ینسحب على الآخرین من الناس، لأنهم مصنوعون على عین الله تعالى، و مجهزون بعطایا ربانیة لا تقع تحت قدرتنا على الفلسفة و التحلیل، و لا تتاح لنا البرهنة علیها بیسر، اذ خلقوا هکذا… ولکن التاریخ المکذوب، الذى کتب تحت حکم الظالمین، طمس هذه

المعالم الممیزة التى کانت تظهر فضلهم من جهة، و تفضح أعداءهم المتسلطین على الناس بالسیف من جهة ثانیة. و لذلک فان الکتب التاریخیة تبدو صماء بکماء أمام بیان بصمات السماء التى تظهر على هذه الفئة المختارة حین ترصد السماء عظماء للأمورالعظیمة. فما من أحد ذکر شیئا من ذلک الا و کان جزاؤه القتل المؤکد، فلم یبق فى میدان التاریخ الا المأجورون الذین باعوا ضمائرهم حین دونوا التایخ المزور فملأوا بطونا شرهة، و أفرغوها کذبا و زورا.

فکل واحد من أئمتنا الاثنى عشر معجزة الهیة. و قد عرف الناس کونهم معاجز خارقة، ولکن من أین لهم أن یفوهوا بکلمة واحدة بشأنهم؟!. لا سبیل الى ذلک و لو کان یعرف ذلک المحبون و المبغضون. و لذلک ترانا نجتهد کثیرا حتى نجد فلتات لسان هنا و هناک، فنجمعها و نؤلف بینها حتى نکمل الصورة التى نکون بصددها. بل قد لا نعثر على شى‏ء أحیانا بسبب ارتفاع حرارة حقد الحاکمین.

و قد دخل أبوحنیفة المدینة و معه عبدالله بن مسلم، فقال له:

یا أباحنیفة، ان ها هنا جعفر بن محمد من علماء آل محمد، فاذهب بنا الیه نقتبس منه علما.

فلما أتیا اذا هما بجماعة من علماء شیعته ینتظرون خروجه أو دخولهم علیه. فبینما هم کذلک اذ خرج غلام حدث فقام الناس هیبة له. فالتفت أبوحنیفة فقال: یابن مسلم، من هذا؟!.

قال: موسى، ابنه.

قال: والله لا خجله بین یدى شیعته.

قال له: لن تقدر على ذلک.

قال: والله لأفعلنه…

ثم التفت الى موسى فقال: یا غلام أین یضع الغریب فى بلدکم هذه(9)

قال: یتوارى خلف الجدار، و یتوقى أعین الجار، و شطوط الأنهار، و مساقط الثمار، و لا یستقبل القبلة و لا یستدبرها. فحینئذ یضع حیث شاء.

ثم قال: یا غلام ممن المعصیة…

قال: یا شیخ، لا تخلوا من ثلاث:

اما أن تکون من الله و لیس من العبد شى‏ء، فلیس للحکیم أن یأخذ عبده بما لم یفعله.

و اما أن تکون من العبد و من الله؛ والله أقوى الشریکین، فلیس للشریک الأکبر أن یأخذ الشریک الأصغر بذنبه.

و اما أن تکون من العبد و لیس من الله شى‏ء، فان شاء عفا، و ان شاء عاقب.

قال: فأصابت أباحنیفة سکتة کأنما ألقم فوه الحجر».(10)

و فى مصادر أخرى رویت القصة هکذا:

«فقد اشتهر عند الخاص و العام حدیث أبى‏حنیفة حین دخل دار الامام الصادق علیه‏السلام، فرأى ابنه موسى علیه‏السلام فى دهلیز الدار، و هو صبى فى

الخامسة من عمره، فقال فى نفسه: ان هؤلاء یزعمون أنهم یعطون العلم صبیة، و أنا أسبر ذلک – أى أمتحنه -.

فقال له: یا غلام، اذا دخل الغریب بلدة أین یحدث؟.

فنظر الیه نظر مغضب و قال: یا شیخ، أین السلام؟!.

قال: فخجلت، و نبل فى عینى، و عظم فى قلبى. فسلمت علیه و قلت: یابن رسول الله، الغریب اذا دخل بلدة أین یحدث؟.

فقال: یتوارى خلف الجدار، و یتوقى شطوط الأنهار، و مساقط الثمار، و مشارع الماء، و أفنیة الدور – أى ساحاتها – و جادة الطریق، و لا یستقبل القبلة و لا یستدبرها، ثم یحدث أین شاء.

فقلت: یابن رسول الله، ممن المعصیة؟.

فنظر الى و قال: اجلس حتى أخبرک.

فجلست. فقال: اما أن تکون من الله، أو من العبد، أو منهما معا.

فان کانت من الله، فهو أکرم من أن یؤاخذ العبد بما لم یجنه.

و ان کانت منهما، فالله أعدل من أن یأخذ العبد بما هو شریک فیه.

فلم یبق الا أن تکون من العبد. فان عفا الله فبفضله، و ان عاقب فبعدله.

قال أبوحنیفة: (ذریة بعضها من بعض والله سمیع علیم (34))(11)

… و قیل: انه علیه‏السلام نظم فى هذا المعنى شعرا، فقال:

لم تخل أفعالنا اللاتى نذم بها++

احدى ثلاث خلال حین نبدیها

اما تفرد بارینا بصنعتها++

فیسقط اللوم عنا حین نأتیها

أو کان یشرکنا فیها فیلحقه‏++

ما سوف یلحقنا من لائم فیها

أو لم یکن لالهى فى جنایتها++

ذنب، فما الذنب الا ذنب جانیها(12)

و کیف لا ینبل فى عینى أبى‏حنیفة من یجیب بهذه الأجوبة المسددة القویة و هو فى الخامسة من عمره، و أجوبته هذه تحمل أحکام الله من فوق عرشه؟!. و نحن نزید على قول الامام أبى‏حنیفة أننا نحمل اسلام لامامنا – أسمى مظاهر التقدیس و الولاء، و نعترف أنه امام حق ممیز عنا من عند ربه، و مرصود لهذا الأمر العظیم الذى لا ینال بامتداد الأعناق، و لا بانتخاب الناس و اختیار الرفاق للرفاق، و نجزم أن حال کونه صغیرا لا یختلف فى التمکن و المقدرة عن حال کونه کبیرا – کما هو شأن کل امام – و ان کان من المحتوم على الامام الصغیر أن یصمت مدة حیاة الامام الکبیر الذى یسبقه. ولکن اذا تحدى أحد قدرة الله تعالى فیه، فان الله سبحانه یرى هذا المتحدى عجبا، و یمکنه من الدفاع عن کرامته، و من الثأر للاعتراض على اختیار الله تعالى له!.

و للامام أبى‏حنیفة موقف آخر مع امامنا علیه‏السلام أیام صغره. فقد دخل أبوحنیفة على أبى‏عبدالله علیه‏السلام فقال له: رأیت ابنک موسى یصلى و الناس یمرون بین یدیه.

فقال أبوعبدالله: ادعوا لى موسى.

فدعاه، فقال له فى ذلک.

فقال: نعم یا أبه. ان الذى کنت أصلى له، کان أقرب الى منهم.

یقول الله تعالى: (… و نحن أقرب الیه من حبل الورید (16))(13)

فضمه أبوعبدالله الى نفسه، ثم قال: بأبى أنت و أمى یا مودع الأسرار».(14)

و ورد اعتراض یشبهه رواه محمد بن عمیر الذى قال:

رأى سفیان الثورى أباالحسن، موسى بن جعفر علیه‏السلام، و هو غلام، یصلى و الناس یمرون بین یدیه؛ فقال له: ان الناس یمرون بک و هم فى الطواف!.

فقال علیه‏السلام: الذى أصلى له أقرب الى من هؤلاء».(15)

و کیف لا یکون عند امامنا مثل هذا الجواب المسکت، و هو من قوم زقوا العلم زقا و لم یجعلهم خالقهم مفتقرین الى طلب علم من أحد من خلقه، و لا الى زیادة من المعرفة الدینیة أو الدنیویة یأخذونها من الغیر، بل هم علماء غیر معلمین، جدیرون بمرکز خلافة الله تعالى على الأرض، و هو سبحانه معلمهم الذى وهبهم معرفة کل شى‏ء یحتاجون الیه.

هذا و قد سکت المؤرخون عن ذکر شى‏ء مفصل عن حیاته الکریمة فى فترة عشرین عاما من حیاته الکریمة التى قضاها فى کنف والده صلوات الله علیهما، ولکنهم لم یحجبوا نور الشمس!.

فمناقبه سلام الله علیه کثیرة، و لو لم یکن منها الا العنایة الالهیة لکفاه ذلک منقبة… فهو الامام لاجتماع خلال الفضل فیه، ولکماله الربانى،

و لنص أبیه علیه و اشارته الیه بالولایة من بعده.(16)

أما وفاته علیه‏السلام، فکانت بالسم الذى قدم الیه من خلیفة المسلمین – خائن رسول الله صلى الله علیه و آله و سلم فى ولده – هارون الرشید، و على ید النذل اللئیم السندى بن شاهک، الذى کان یحتجزه یومئذ فى سجنه، بعد أن امتنع آخرون عن قتله حین کان فى سجونهم و خافوا من تلک الجریمة النکراء، فى البصرة و فى بغداد کما سترى.

و أبى الحق الا أن یظهر جلیا مهما أقیمت فى وجهه السدود، فان تلک الجریمة البشعة من جرائم البیت العباسى، قد لبس عارها و شنارها أشهر خلفاء ذلک البیت الذى لقب بالرشید و لم یکن برشید و لا بذى رأى سدید، اذ لم تخف حقیقتها على أحد. ففى أول محاولة معه فضحه الله تعالى و انکشف أمره على ید صنف الکلاب، فقد قال عمر بن واقد:

«ان الرشید وضع فى صینیة عشرین رطبة – من التمر – و أخذ سلکا ففرکه فى السم و أدخله فى سم الخیاط – أى ثقب الابرة – و أخذ رطبة منها فأقبل یرود علیها ذلک السم حتى حصل فیها، و قال لخادم: احمل هذه الصینیة الى موسى بن جعفر و قل له: انى ادخرتها لک بیدى. بحقى، لا تبق منها شیئا، و لا تطعم منها أحدا.

و أتاه بها الخادم، فکان یأکل منها بالخلال – أى بقشة حتى لا تلمسها یده الشریفة فیعلق بها شى‏ء من السم -.

و کان للرشید کلبة تعز علیه، فجذبت نفسها، و خرجت تجر سلاسلها

من ذهب و جوهر، حتى جاءت موسى بن جعفر. فبادر بالخلال الى الرطبة المسمومة و رمى بها الى الکلبة فأکلتها، و لم تلبث أن ضربت نفسها بالأرض، و عوت، و تهرت قطعة قطعة – أى تهرأ جسمها و تقطع من شدة فعل السم – و استوفى علیه‏السلام باقى الرطب. فأخبر الخادم الرشید الذى قال:

ما ربحنا من موسى الا أن أطعمناه الرطب و ضیعنا سمنا فقتل کلبتنا!.ما فى موسى حیلة».(17)

ما فى موسى حیلة؟!

و یکون خلیفة رسول الله صلى الله علیه و آله و سلم، محتالا!.

و من هو موسى، و من أنت یا هارون من مقعد جده المصطفى صلوات الله و سلامه علیه؟!.

و ما هو عذرک غدا أمام ربک، و بین یدى ذلک الجد العظیم الذى تربعت على عرش خلافته تتحکم بذریته و الصالحین من أمته؟!.. لقد التف من حولک أرباب بطون من الأمراء و الوزراء الخونة، و أهل کروش من قضاة السوء، و عبدة فروج من هاهنا و هناک، و أطاعک – أو خاف سیفک – مؤرخون مزورون، و اصطنع لک العظمة ناس آخرون بأجر و بلا أجر… و نحن نهمس فى أذنک أیها الظالم، و فى الآذان الطویلة من حولک فنقول: (یستخفون من الناس و لا یستخفون من الله و هو معهم اذ یبیتون ما لا یرضى من القول و کان الله بما یعملون محیطا (108))(18)

لقد سها عن بالک أن ربک یراک و أنت تجیل الخیط المسموم فى

الرطبة، لأنک لم تؤمن بیوم عدل یثاب المرء فیه أو یعاقب، اذ أعمى بصرک الملک و التسلط… نقول لک ذلک، و نقول لأعوانک من کافة الفئات: (هأنتم هولاء جادلتم عنهم فى الحیوة الدنیا فمن یجادل الله عنهم یوم القیامة أم من یکون علیهم وکیلا (109))(19)

انها یومئذ ستنهار جبهة دفاع الأولین و الآخرین عنک و عن سلفک و خلفک، و ستظهرون على حقیقتکم: سلاطین سوء، و حکاما طغاة، ما آمنوا بالله و لا برسوله، و لا راود أذهانهم یوم حساب یقتص فیه المظلوم من الظالم، بالرغم من أنها قد نبهتکم لسوء فعالکم کلبة رفضتکم و رفضت سلاسلکم الذهبیة و جواهرکم التى زینتموها بها من بیت مال المسلمین، و جرت مسرعة الى منزل الامام لتنتحر بالسم و لتعلن للناس سوء صنیع خلیفة المسلمین!.

فى عیون أخبار الرضا «عن ابن‏بابویه»، أن موسى بن جعفر علیه‏السلام، دعا بالمسیب، و ذلک قبل وفاته بثلاثة أیام، و کان موکلا به، فقال له:

«یا مسیب، ان ظاعن فى هذه اللیلة الى المدینة، مدینة جدى رسول الله صلى الله علیه و آله و سلم، لأعهد الى على ابنى کما عهد الى أبى، و أجعله خلیفتى و وصیى، و آمره بأمرى.

قال المسیب: کیف تأمرنى أن أفتح لک الأبواب و علیها أقفالها و الحرس معى على الأبواب؟!.

فقال: یا مسیب، ضعف یقینک بالله عزوجل وفینا؟.

قلت: لا، یا سیدى.

قال: فمه.

فسمعته یدعو، ثم فقدته عن مصلاه، فلم أزل قائما على قدمى حتى رأیته قد عاد الى مکانه و أعاد الحدید الى رجلیه، فخررت لله ساجدا، شاکرا على ما أنعم على بذلک من معرفة – أى من اعتراف بالامامة -.

فقال لى: ارفع رأسک یا مسیب، و اعلم أنى راحل الى الله عزوجل فى ثالث هذا الیوم، لا تبک یا مسیب، فان علیا ابنى هو امامک و مولاک بعدى، فائته فتمسک بولایته، فانک لن تضل ما لزمته».(20)

قال المسعودى: «و قبض موسى بن جعفر، بن محمد، بن على، بن الحسین، بن على بن أبى‏طالب ببغداد مسموما، لخمس عشرة سنة من ملک الرشید».(21)

و کذلک ذکر العلامة القندوزى: «أنه مات مسموما»(22)

و روى القطب الراوندى عن محمد بن الفضل الهاشمى، أنه قال: «انى أتیت موسى بن جعفر علیه‏السلام قبل وفاته بیوم واحد، فقال لى: انى میت لا محالة، فاذا واریتنى فى لحدى فلا تقیمن و توجه الى المدینة بودائعى هذه، و أوصلها الى على بن موسى الرضا، فهو وصیى و صاحب الامر بعدى.

ففعلت ما أمرنى، و أوصلت الودائع الیه».(23)

و قال الشیخ المفید رحمه الله: «روى أنه لما حضرته الوفاة، سأل السندى بن شاهک أن یحضره مولى مدنیا، ینزل عند دار العباس بن محمد فى مشرعة القصب، لیتولى غسله و تکفینه، ففعل ذلک.

قال السندى: و کنت سألته فى الاذن أن أکفنه، فأبى و قال: انا أهل بیت مهور نسائنا، و حج صیرورتنا، و أکفان موتانا، من طاهر أموالنا، و عندى کفن، و أرید أن یتولى غسلى و جهازى مولاى فلان، فتولى ذلک منه».(24)

و الحقیقة أنه لا یتولى غسل الامام الا الامام الذى یلیه، و لا یصلى علیه غیره. و أبوالحسن علیه‏السلام انما أوصى بذلک لیصرف أذهان السامعین عن هذا المعنى الخافى علیهم، الواضح لأهل المعرفة بحالهم. ففى الخبر المروى عن المسیب أنه قال فى حدیث:

«فوالله لقد رأیتهم بعینى و هم یظنون أنهم یغسلونه، فلا تصل أیدیهم الیه؛ و یظنون أنهم یحنطونه و یکفنونه، و أراهم لا یصنعون به شیئا!.

و رأیت شخصا أشبه الأشخاص به یتولى غسله و تحنیطه و تکفینه، و هو یظهر المعاونة لهم، و هم لا یعرفونه.

فلما فرغ علیه‏السلام اسلام من أمره قال لى ذلک الشخص – و هو ابنه على الرضا قطعا -: یا مسیب، مهما شککت فیه فلا تشکن فى، فانى امامک و مولاک و حجة الله علیک بعد أبى. یا مسیب، مثلى کمثل یوسف الصدیق علیه‏السلام و مثلهم مثل اخوته حین (فدخلوا علیه فعرفهم و هم له منکرون (58))(25) فهذا

هو الذى حصل بالضبط. و الامام انما عرف المسیب بنفسه لیثبت عقیدته و عقیدة أصحابه الذین یسمعون ذلک منه فیبقوا على ما هم علیه من الولایة. و قد کان المسیب موکلا بالامام علیه‏السلام حین کان فى حبس السندى بن شاهک، و کان من الشیعة المخلصین. «و قد دعاه الامام علیه‏السلام قبل وفاته بثلاثة أیام و قال له: انى على ما عرفتک من الرحیل الى الله تعالى، فاذا دعوت بشربة من الماء فشربتها، و رأیتنى قد اخضر لونى و احمر، فخبر الطاغیة بوفاتى. و اذا رأیت هذا الحدث فایاک أن تظهر علیه أحدا الا بعد وفاتى.

قال المسیب: فلم أزل أرقب موعده حتى دعا بشربة فشربها، ثم أتیت بالخبر الى الرشید».(26)

و قال أحمد بن عبدالله: «لما نقل الکاظم علیه‏السلام من دار الفضل بن الربیع، الى الفضل بن یحیى البرمکى، کان ابن‏الربیع یبعث الیه فى کل لیلة مائدة، و منع أن یدخل من عند غیره حتى مضى ثلاثة أیام بلیالیها.

فلما کانت اللیلة الرابعة، قدمت الیه مائدة الفضل بن یحیى البرمکى.

قال: فرفع رأسه الى السماء فقال [علیه‏السلام]: یارب، انک تعلم انى لو أکلت قبل الیوم کنت أعنت على نفسى.

قال: فأکل، فمرض. فلما کان من الغد الذى فعل السم فیه فعله، بعث الیه الطبیب، فسأله عن حاله، فتغافل!. فلما کرر علیه السؤال قال علیه‏السلام:

هذه علتى.

و کانت خضرة فى وسط راحته تدل على أنه سم.

فانصرف الطبیب الیهم و قال: والله لهو أعلم بما فعلتم به منکم!. ثم توفى».(27)

أجل… لقد بعثوا الیه الطبیب لیقول الناس انهم مهتمون بمرض الجریمة… و لکن ذلک الطبیب المسیحى الشریف فضحهم بعد أن فضحتهم الکلبة من قبل!. و ان لهم موقفا مع تلک الکلبة، و مع هذا الطبیب، تدوس فیه الکلبة کبریاءهم، و یعلن الطبیب لعنتهم على الأشهاد، ثم ترقى الکلبة أعواد عرشهم لتعلن غضب السماء النازل على أولئک القتالین، ثم ینادى الطبیب بشماتته بهم فى یوم العدل الالهى!.

و اذا کنت أیها الخلیفة قد خذلتک الکلبة مرة، و صفعک الطبیب مرة ثانیة، فکیف بک اذا وقفت بین یدى ربک و أنت تحمل فى عنقک دماء ثلاثة من أئمة أهل البیت صلوات الله و سلامه علیهم، قد قتلتهم جمیعا دون ذنب أو جرم؟!. طاش سهمک، و ضاع فهمک!.

و لکم کان تفکیرک قاصرا – أیها التعیس – حتى ظننت أنه قد خفى شى‏ء من مکرک و غدرک على الامام علیه‏السلام!. ولکن قلة دینک، و عدم ایمانک بربک و برسوله و کتبه، الى جانب صبر الامام على ظلمک، کل ذلک حملک على التمادى فى الکید لله و لآل رسول الله الذین طهرهم الرحمان و القرآن.

ألا ان صبر الامام على الأذى، کشف زیف سلطانکم، و فضح مروقکم من الدین.

و فى خبر مفصل لما جرى بعد وفاته، قال عمر بن واقد:

«أرسل الى السندى بن شاهک فى بعض اللیل و أنا ببغداد، یستحضرنى، فخشیت أن یکون ذلک لسوء یریده بى، فأوصیت عیالى ما احتجت الیه، و قلت: انا لله، و انا الیه راجعون… ثم رکبت الیه.

فلما رآنى مقبلا قال: یا أباحفص، لعلنا أرعبناک و أفزعناک؟.

قلت: نعم.

قال: فلیس هنا الا خیر.

قلت: فرسول تبعثه الى منزلى یخبرهم خبرى.

قال: نعم.

ثم قال: یا أباحفص، أتدرى لم أرسلت الیک؟.

فقال: لا.

قال: أتعرف موسى بن جعفر؟.

فقلت: اى والله انى لأعرفه، و بینى و بینه صداقة منذ دهر.

فقال: من هاهنا ببغداد تعرفه ممن یقبل قوله؟.

فسمیت له أقواما. و وقع فى نفسى أنه علیه‏السلام قد مات.

فبعث و جاء بهم کما جاء بى، فقال: هل تعرفون قوما یعرفون موسى بن جعفر؟

فسموا له قوما. فجاء بهم. فأصبحنا – فى الدار – و نحن نیف و خمسون رجلا ممن یعرف موسى بن جعفر علیه‏السلام و قد صحبه.

ثم قام فدخل، و صلینا.

فخرج خادمه و معه طومار، فکتب أسماءنا، و منازلنا، و أعمالنا، و خلانا ثم دخل الى السندى.

ثم خرج السندى فضرب یده الى فقال لى: قم یا أباحفص.

فنهضت، و نهض أصحابنا و دخلنا.

فقالى لى: یا أباحفص، اکشف الثوب عن وجه موسى بن جعفر.

فکشفته، فرأیته فبکیت و استرجعت.

ثم قال للقوم، انظروا الیه.

فدنا واحد بعد واحد، فنظروا الیه.

ثم قال: تشهدون کلکم أن هذا موسى بن جعفر بن محمد. ثم قال: یا غلام اطرح على عورته مندیلا، و اکشفه. ففعل.

فقال: أترون به أثرا تنکرونه؟

فقلنا: لا. ما نرى به شیئا، و لا نراه الا میتا.

قال: لا تبرحوا حتى تغسلوه، و أکفنه و أدفنه.

فلم نخرج حتى غسل و کفن، و حمل فصلى علیه السندى بن شاهک».(28) قبحه الله و قبح صلاته، فهو یقتل اماما مفترض الطاعة و یمشى فى تشییعه.

… و هکذا تمت المراسم الشرعیة المدبرة المفضوحة،«فحمل على نعش و نودى علیه: هذا امام الرافضة، فاعرفوه!.

ثم أتى به الى السوق فوضع هناک، ثم نودى علیه: هذا موسى بن جعفر قد مات حتف أنفه، ألا فانظروا الیه!.

فحف به الناس، و جعلوا ینظرون الیه، لا أثر به من جراحة و لا خنق، و کان فى رجله أثر الحناء.

ثم أمروا العلماء و الفقهاء أن یکتبوا شهادتهم فى ذلک.

فکتبوا جمیعا الا أحمد بن حنبل فکلما زجروه لم یکتب شیئا».(29)

فکما أنه یکتب للمیت حین دفنه شهادة أربعین مؤمنا بأنهم لا یعلمون منه الا خیرا، فکذلک استکتب خلیفة المسلمین نیفا و خمسین کذابا من علماء قصره و فقهائه و قضاته، شهدوا بأن الامام علیه‏السلام لا أثر فیه من جراحة أو خنق… و وقف – فقط – أحمد بن حنبل – وحده – أمام بقر بغداد الذى تفوق على بقر معاویة… و لم یذعن لتهدیدهم، و لا شهد بغیر ما یعلمه من قتلهم للامام علیه‏السلام.

و نقل الشیخ المفید رحمه‏الله، عن جمله رواة، عن مشایخهم، هذه الروایة التى نظنها الأصدق، فقال:

«و کان السبب فى قبض الرشید على أبى‏الحسن علیه‏السلام، و حبسه و قتله، ما ذکره أحمد بن عبیدالله بن عمار، عن على بن محمد النوفلى عن أبیه. و أحمد بن محمد بن سعید، و أبومحمد الحسن بن محمد بن یحیى، عن مشایخهم، قالوا:

کان السبب فى أخذ موسى بن جعفر علیه‏السلام، أن الرشید جعل ابنه فى

حجر جعفر بن محمد بن الأشعث، فحسده یحیى بن خالد بن برمک على ذلک و قال: ان أفضت الیه الخلافة زالت دولتى و دولة ولدى.

فاحتال على جعفر بن محمد، و کان یقول بالامامة، حتى داخله و أنس الیه، و کان یکثر غشیانه فى منزله فیقف على أمره و یرفعه الى الرشید، و یزید علیه فى ذلک بما یقدح فى قلبه. ثم قال لبعض ثقاته: تعرفون لى رجلا من آل أبى‏طالب لیس بواسع الحال یعرفنى یحتاج الیه!.

فدل على على بن اسماعیل بن جعفر بن محمد، فحمل الیه یحیى مالا.

و کان موسى بن جعفر علیه‏السلام یأنس بعلى بن اسماعیل و یصله و یبره.

ثم أرسل الیه یحیى بن خالد یرغبه فى قصد الرشید و یعده بالاحسان الیه.

فعمل على ذلک.

فأحس به موسى بن جعفر علیه‏السلام، فدعا به فقال: الى أین یابن أخى؟

قال: الى بغداد.

قال: و ما تصنع؟

قال: على دین، و أنا مملق – فقیر-.

فقال له موسى علیه‏السلام: أنا أقضى دینک، و أفعل بک و أصنع.

فلم یلتفت الى ذلک، و عمل على الخروج.

فاستدعاه أبوالحسن علیه‏السلام فقال له: أنت خارج؟.

قال: نعم، لا بد لى من ذلک.

فقال له: أنظر یابن أخى، واتق الله، و لا تؤتم أطفالى… و أمر له بثلاثمائة دینار، و أربعة آلاف درهم.

فلما قام بین یدیه قال أبوالحسن علیه‏السلام لمن حضره، والله لیسعین فى دمى و یؤتمن أولادى.

فقالوا: جعلنا الله فداک، و أنت تعلم هذا من حاله و تعطیه و تصله؟!

قال: نعم؛ حدثنى أبى، عن آبائه، عن رسول الله صلى الله علیه و اله و سلم، أن الرحم اذا قطعت فوصلت فقطعت، قطعها الله. و اننى أردت أن أصله بعد قطعه، حتى اذا قطعنى قطعه الله.

فخرج على بن اسماعیل حتى أتى یحیى بن خالد – البرمکى – فتعرف منه خبر موسى بن جعفر علیه‏السلام، و رفعه الى الرشید. فسأله – أى الرشید، عن عمه – الامام علیه‏السلام – فسعى به الیه و قال: ان الأموال تحمل الیه من المشرق و المغرب. و أنه اشترى ضیعة سماها الیسیریة بثلاثین ألف دینار. فقال له صاحبها و قد أحضره المال: لا آخذ هذا النقد، و لا آخذ الا نقد کذا و کذا. فأمر بذلک المال فرد، و أعطاه ثلاثین ألف دینار من النقد الذى سأل بعینه.

فسمع ذلک منه الرشید، و أمر له بمائتى ألف درهم تسبب على بعض النواحى.

فاختار بعض کور المشرق – أى بعض المقاطعات فى المشرق -.

و مضت رسله لقبض المال، و أقام ینتظرهم. فدخل فى بعض تلک الأیام الى الخلاء، فزحر زحرة – أى أصابه اسهال انطلاق بطن – خرجت منها حشوته کلها! فسقط!. و جهدوا فى ردها فلم یقدروا، فوقع لما به، و جاءه المال و هو ینزع، فقال: ما أصنع به و أنا فى الموت!.(30)

و خرج الرشید فى تلک السنة الى الحج، و بدأ بالمدینة فقبض على أبى‏الحسن علیه‏السلام.

و انه لما ورد المدینة استقبله موسى علیه‏السلام فى جماعة من الأشراف.

و انصرفوا من استقباله، فمضى أبوالحسن علیه‏السلام الى المسجد على رسمه – أى على عادته -. و أقام الرشید الى اللیل، و صار الى قبر رسول الله صلى الله علیه و اله و سلم، فقال: یا رسول الله، انى أعتذر الیک من أمر أرید أن أفعله: أرید أن أحبس موسى بن جعفر، فانه یرید التشتیت بین أمتک، و سفک دمائهم.

ثم أمر به فأخذ من المسجد، فأدخل الیه فقید، و استدعى قبتین فجعله فى احداهما على بغل، و جعل القبة الأخرى على بغل آخر، و خرج البغلان من داره علیهما القبتان مستورتین، و مع کل واحدة منهما خیل.

و افترقت الخیل، فمضى بعضها مع احدى القبتین على طریق البصرة، و الأخرى على طریق الکوفة. و کان أبوالحسن علیه‏السلام فى القبة التى مضى بها على طریق البصرة.

و انما فعل الرشید ذلک لیعمى على الناس الأمر فى باب أبى‏الحسن، و أمر القوم الذین کانوا مع قبة أبى‏الحسن أن یسلموه الى عیسى بن جعفر بن المنصور، و کان على البصرة حینئذ. – أى کان والیا علیها -.

فسلم الیه، فحبسه عنده سنة، و کتب الیه الرشید فى دمه – أى بقتله – فاستدعى عیسى بن جعفر بعض خاصته و ثقاته فاستشارهم فیما کتب الیه الرشید، فأشاروا علیه بالتوقف عن ذلک و الاستعفاء منه.

فکتب عیسى بن جعفر الى الرشید یقول له: قد طال أمر موسى بن جعفر و مقامه فى حبسى، و قد اختبرت حاله و وضعت علیه العیون طول هذه‏

المدة، ما وجدته یفتر عن العبادة. و وضعت من یسمع منه ما یقول فى دعائه، فما دعا علیک و لا على و ما ذکرنا بسوء، و ما یدعو الا بالمغفرة و الرحمة لنفسه. و ان أنت أنفذت الى من یتسلمه منى، و الا خلیت سبیله فأنى متحرج من حبسه – أى متضایق و متأثم -.

و روى أن بعض عیون عیسى بن جعفر رفع الیه أنه سمعه کثیرا یقول فى دعائه و هو محبوس عنده: اللهم انک تعلم أنى کنت أسألک أن تفرغنى بعبادتک، اللهم و قد فعلت، فلک الحمد».(31)

فوجه الرشید من تسلمه من عیسى بن جعفر، و صار به الى بغداد فسلم الى الفضل بن الربیع فبقى عنده مدة طویلة، فأراده الرشید على شى‏ء من أمره – أى على قتله – فأبى…

فکتب الیه بتسلیمه الى الفضل بن یحیى، فتسلمه منه – فى رجب یوم المبعث سنة 180 هجریة -. و جعله فى بعض حجر دوره و وضع علیه الرصد.

و کان علیه‏السلام مغشولا بالعبادة، یحیى اللیل کله صلاة و قراءة للقرآن و دعاء و اجتهادا، و یصوم النهار فى أکثر الأیام، و لا یصرف وجهه عن المحراب.

فوسع علیه الفضل بن یحیى و أکرمه، فاتصل ذلک بالرشید و هو فى الرقة، فکتب الیه ینکر علیه توسیعه على موسى بن جعفر و یأمره بقتله!.

فتوقف عن ذلک و لم یقدم علیه.

فاغتاظ الرشید لذلک، و دعا مسرور – الخادم – و قال له: أخرج على البرید فى هذا الوقت الى بغداد، و ادخل من فورک على موسى بن جعفر، فاذا وجدته فى دعة و رفاهیة فأوصل هذا الکتاب الى العباس بن محمد، و مره بامتثال ما فیه، و سلم الیه کتابا آخر الى السندى بن شاهک یأمره بطاعة العباس بن محمد.

فقدم مسرور فنزل دار الفضل بن یحیى لا یدرى أحد ما یرید. ثم دخل على موسى بن جعفر فوجده على ما بلغ الرشید؛ فمضى من فوره الى العباس بن محمد، و السندى بن شاهک، و أوصل الکتابین الیهما.(31)

فلم یلبث الناس أن خرج الرسول الى الفضل بن یحیى، فرکب معه و بدا مشدوها دهشا، حتى دخل على العباس.

فدعا العباس بسیاط و عقابین، و أمر بالفضل فجرد، و ضربه السندى بن شاهک مائة سوط!. و خرج متغیر اللون خلاف ما دخل، و جعل یسلم على الناس یمینا و شمالا.

و کتب مسرور بالخبر الى الرشید، فأمر بتسلیم موسى علیه‏السلام الى السندى بن شاهک. و جلس الرشید مجلسا حافلا و قال: أیها الناس، ان الفضل بن یحیى قد عصانى و خالف طاعتى، و رأیت أن ألعنه، فالعنوه!.

فلعنه الناس من کل ناحیة حتى ارتج البیت و الدار بلعنه.

و بلغ یحیى بن خالد – أى والده – الخبر، فرکب الى الرشید فدخل من غیر الباب الذى یدخل الناس فیه، حتى جاءه من خلفه و هو لا یشعر، ثم قال: التفت یا أمیرالمؤمنین!. فأصغى الیه فزعا. فقال له: ان الفضل حدث – أى صغیر – و أنا أکفیک ما ترید.

فانطلق وجهه، و سر، و أقبل على الناس و قال: ان الفضل کان قد عصانى فى شى‏ء فلعنته. قد ثاب و أناب الى طاعتى فتولوه!.

قالوا: نحن أولیاء من والیت، و أعداء من عادیت، و قد تولیناه.

ثم خرج یحیى بن خالد على البرید حتى وافى بغداد، فهاج الناس

و أرجفوا بکل شى‏ء. فأظهر أنه ورد لتعدیل السواد و النظر فى أمور العمال – أى الموظفین -. و تشاغل ببعض ذلک أیاما، ثم دعا السندى فأمره فیه بأمره – أى فى الامام علیه‏السلام – فامتثله.

و کان الذى تولى به السندى قتله سما جعله فى طعام قدمه الیه. و یقال انه جعله فى رطب أکل منه فأحس بالسم، و لبث بعده ثلاثا موعوکا منه – أى محموما مضطرب المزاج – ثم مات فى الیوم الثالث.

و لما مات موسى علیه‏السلام، ادخل السندى بن شاهک الفقهاء و وجوه أهل بغداد، و فیهم الهیثم بن عدى و غیره، فنظروا الیه و لا أثر به من جراح و لا خنق، و أشهدهم على أنه مات حتف أنفه، فشهدوا على ذلک. – کما مر سابقا -.

و أخرج و وضع على الجسر ببغداد، فنودى: هذا موسى بن جعفر قد مات فانظروا الیه!. فجعل الناس یتفرسون فى وجهه و هو میت صلوات الله علیه.

و قد کان قوم زعموا فى أیام موسى علیه‏السلام أنه هو القائم المنتظر، و جعلوا حبسه هو الغیبة المذکورة للقائم، فأمر یحیى بن خالد أن ینادى علیه عند موته: هذا موسى بن جعفر الذى زعم الرافضة أنه لا یموت، فانظروا الیه!. فنظر الناس الیه میتا، ثم حمل و دفن فى مقابر قریش من باب التبن، و کانت هذه المقبرة لبنى هاشم. و قد مرت بقیة الحدیث سابقا.(32)

و أنت حین تقرأ و قائع هذه القصة الطویلة العریضة، لا بد أنه یصیبک القرف من هذا الخلیفة المتعدى على حرمة النبى صلى الله علیه و اله و سلم، و على الأعراف و الأدیان و الأخلاق، أجل یصیبک القرف عند محطات تستوقفک لتفکر بأسالیب الحکم العباسى الغاشم الذى حاد عن الخط الاسلامى بونا شاسعا، وفاق الأمویة التى جندت لبنى على و فاطمة و لنسل رسول الله صلى الله علیه و اله و سلم علنا، و حاربتهم على رؤوس الأشهاد، فى حین أن العباسیة فعلت الأفاعیل فى العلن و الخفاء بسبب و بلا سبب مطلقا، و کأن من مقومات عرشها الظالم أن تقیمه على جماجم أهل البیت النبوى، و جماجم صلحاء الأمة. فالمتهم فى عرف العباسیین ینبغى أن یقتل فى کل حال، و لا مجال لمحاکمته أو البحث عن براءته. فما هو ذنب هذا الامام العابد الزاهد سلام الله علیه، سوى أنه کان یفضح مروق الحکام، و یلقى کلمة الحق و العدل فى مجالات الباطل و الظلم؟. و هل ذنبه أنه کان یعبد الله تعالى، و لا یعبد الخلیفة المتأله المتغطرس؟!. هل کان قتله سوى عقاب لصیامه النهار، و قیامه اللیل، و انصرافه للعبادة، ازاء قصر ینطوى على المفاسد من خمور و فجور و منکرات، فلا تقع العین فیه الا على محرم، و کأن الخلیفة فیه مکلف بجمع الکذبة و السرقة و الفسقة و المردة، و الراقصات و المغنیات و أهل الخنى و الزور، و کأن القصر حانة للسکارى، و مربع لا یصدر عنه شى‏ء یمت بقرابة الى الاسلام و المسلمین.

فتعسا لمثل هذه الخلافة الاسلامیة الکاذبة التى ترتکب مثل هذه الجریمة الشنعاء و هذه الفعلة النکراء؛ و سحقا للقائمین فى هذه الخلافة على کل ما یغضب الرحمان و یرضى الشیطان!. ان الله تعالى یمهل، ولکنه لا یهمل و سیقف الخصماء بین یدیه و نرى لمن تکون عقبى الدار، و لمن یکون الویل فى یوم لا ینفع فیه ندم نادم.

لقد سها عن بال خلیفة المسلمین أن (و من یقتل مؤمنا متعمدا فجزآؤه جهنم خالدا فیها و غضب الله علیه و لعنه و أعد له عذابا عظیما (93))(33)

ولکن… عفو القول، لا یسهو عن باله مثل ذلک الجزاء لو کان مسلما حقا… فقد کان المفروض – یومئذ- بخلیفة المسلمین أن یکون على تمام التجاهل بأحکام الدین، و أن یتخطى أوامر الله فى القرآن الکریم، و لا یطلع على ذلک الا من باب: تعلم السحر و لا تعمل به.

ما هو دلیلک یا هارون أن موسى بن جعفر کان یرید التشتیت بین الأمة، و سفک دمائها؟.

و اذا کان ذلک فلم لم تحاکمه علنا و تحکم علیه؟.

و ما النشاط الذى قام به حتى استحق قیود الحدید قبل السؤال و الجواب؟.

و ما هى الأسباب الموجبة التى حملتک على الکتابة لعیسى بن جعفر بأن یقتله فى البصرة بلا أخذ و لا رد؟.

و کیف لعنت الفضل بن یحیى، و أمرت المسلمین بلعنه، ثم لما دخل علیک أبوه من باب سرى مهددا متوعدا خفت منه على نفسک – مع أنک لا تخاف من الله – و حکمت رأسا بتوبة الفضل، و أمرت الناس بتولیه؟.

و بم استحق ابن‏یحیى المائة سوط بعد تجریده من ثیابه؟.

لله ما أغلظ رقبة خلیفة الزمان التى تحمل شهادة زور أداها فقهاء قصره، و جلاوزة حکمه، و الوجهاء الذین یدورون فى فلک حکمه؟.

و من أین جاء ببدعة کون الرافضة یعتبرون الامام الکاظم علیه‏السلام أنه الامام المنتظر، لیغطى على زلته و زلة فقهائه الذین شهدوا أنه علیه‏السلام مات بدون جرح و بدون خنق؟.. نعم هو کذلک لأنه مات بالسم…

هذه التساؤلات، و المئات غیرها، لا تفضح القلیل القلیل من موبقات سلطانه و لا تظهر للملأ صورته الملحدة التى ما کانت من الاسلام فى شى‏ء… بل و لا من الانسانیة فى حال…

لقد مضى امامنا طاهرا مطهرا، قد أذهب الله تعالى عنه الرجس بمحکم کتابه الکریم.

و مات الخلیفة الظالم و فى نفسه حسرات سیرى أوزارها یوم یدع الى نار جهنم دعا… و یوم لا تنقضى حسراته، و لا یخفف عذابه…

فیا رباه، اذا ضاع دین الخلفاء، فأین یضیع الفهم و العلم؟!.

لقد رأیت – یا قارئى الحبیب – کیف تمت تواقیع شهود الزور من الطغمة المأجورة فى قصر الظلم: فقهاء و وجهاء، و قوادا. ثم حمل الجثمان الشریف بعد عرضه على الجسر حیث احتشد أهل بغداد جمیعهم، و شیعوه فى موکب مهیب لم یسبق له نظیر؛ فلما أن أتى الموکب مجلس الشرطة، أقام أربعة نفر فنادوا: ألا من أراد أن یرى موسى بن جعفر فلیخرج.

و فى هذه الأثناء خرج سلیمان بن جعفر، ابن أبى‏جعفر المنصور، من قصره الى الشط فى یوم ماطر، اذ مرت الجنازة و وراءها الحشد من الناس. فسمع الضوضاء و الصیاح فقال لولده و غلمانه: ما هذا؟. هذه جنازة من؟!.

قالوا: السندى بن شاهک ینادى على موسى بن جعفر – علیه‏السلام – على نعش. فقد مات فى حبس الرشید، و أمر أن یدفن بحاله – أى کما هو -.

فقال: موسى بن جعفر یدفن هکذا؟!. فان فى الدنیا من کان یخاف على الملک، و فى الآخرة لا یوفى حقه!.

ثم قال لولده و غلمانه: یوشک أن یفعل به هذا فى الجانب الغربى؛ فاذا عبر به فانزلوا مع غلمانکم فخذوه من أیدیهم، فان مانعوکم فاضربوهم و خرقوا ما علیهم من السواد.

فلما عبروا به نزلوا الیهم، فأخذوه من أیدیهم و ضربوهم و خرقوا ما علیهم من سوادهم، و وضعوه فى مفرق أربعة طرق، و أقام المنادین ینادون: ألا من أراد أن یرى الطیب بن الطیب، موسى بن جعفر – علیه‏السلام – فلیخرج.

و حضر الخلق، و غسل و حنط بحنوط فاخر، و کفنه بکفن فیه حبرة استعملت له بألفین و خمسمائة دینار، علیها القرآن کله. واحتفى و مشى فى جنازته متسلبا- أى حافیا منزوع الثوب – مشقوق الجیب، حاسر الرأس الى مقابر قریش فى باب التبن؛ و کانت هذه المقبرة لبنى هاشم و لأشراف من الناس قدیما، فدفنه هناک، و کتب بخبره الى الرشید.

فکتب له الرشید: وصلتک رحم یا عم، و أحسن الله جزاءک. والله ما فعل السندى بن شاهک لعنه الله ما فعله عن أمرنا».(34)

«و یقال فى روایة أنه – علیه‏السلام – دفن بقیوده، و أنه أوصى بذلک».(35)

فتصور معى هذا الخلیفة الخسیس، العامل بوسوسة ابلیس… فانه من مقعد رسول الله صلى الله علیه و اله و سلم، یقسم یمینا کاذبة و قحة بأن ما فعله السندى بن شاهک لم یکن عن أمره، ثم یلعنه و یخزیه!.

و لو أننا وقفنا على ما فى نفس اللعین السندى بن شاهک لوجدناه یلعن‏

أمیره الذى أغراه بقتل الامام علیه‏السلام، و یسبه و یخزیه، بعد أن عرف أنها هذه هى مکافأة خدمة الظلمة و الجبابرة.

و نحن نقول لرواد ذلک القصر الذى تفوح منه رائحة المکر، و السکر، و الفجر، و القهر، و الکفر، ما قاله الله تعالى لأمثالهم من منکرى الرسالات: (و قال انما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بینکم فى الحیوة الدنیا ثم یوم القیامة یکفر بعضکم ببعض و یلعن بعضکم بعضا و مأواکم النار و ما لکم من ناصرین (25))(36)

و بخصوص وفاته أیضا، روى محمد بن عیسى، عن مسافر، أنه قال:

«أمر أبوابراهیم علیه‏السلام، حین أخرج به، أباالحسن – الرضا – علیه‏السلام – أن ینام على بابه فى کل لیلة أبدا ما کان حیا الى أن یأتیه خبره.

فکنا فى کل لیلة نفرش لأبى‏الحسن فى الدهلیز، ثم یأتى بعد العشاء فینام، فاذا أصبح انصرف الى منزله.

فمکث على هذه الحال أربع سنین، فلما کان لیلة من اللیالى أبطأ عنه، و فرش له فلم یأت کما کان یأتى. فاستوحش العیال و ذعروا، و دخلنا أمر عظیم من ابطائه.

فلما کان من الغد أتى الدار، و دخل الى العیال، و قصد الى أم أحمد زوجة الامام الکاظم علیه‏السلام فقال لها: هاتى التى أودعک أبى.

فصرخت و لطمت وجهها، و شقت جیبها و قالت: مات والله سیدى.

فکفها و قال لها: لا تکلمى بشى‏ء تظهریه حتى یجى‏ء الخبر الى الوالى.

فأخرجت الیه سفطا و ألفى دینار، أو أربعة آلاف دینار، فدفعت ذلک أجمع الیه دون غیره و قالت: انه قال لى فیما بینى و بینه – و کانت أثیره عنده -: احتفظى بهذه الودیعة عندک، لا تطلعى علیها أحدا حتى أموت. فاذا مضیت، فمن أتاک من ولدى فطلبها منک فادفعیها الیه، و اعلمى أنى قد مت. و قد جاءنى والله علامة سیدى.

فقبض ذلک منها، و أمرهم بالامساک جمیعا الى أن ورد الخبر. و انصرف و لم یعد لشى‏ء من المبیت کما کان یفعل.

فما لبثنا الا أیاما یسیرة حتى جاءت الخریطة بنعیه. فعددنا الأیام، و تفقدنا الوقت، فاذا هو قد مات فى الوقت الذى فعل أبوالحسن علیه‏السلام ما فعل من تخلفه عن المبیت و قبضه لما قبض».(37)

و نقول لمن قتله، و لعن أمیره الذى أغراه بقتله، ما قاله الله تبارک و تعالى: (ان الذین یکفرون بأیات الله و یقتلون النبین بغیر حق و یقتلون الذین یأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب الیم (21) أولئک الذین حبطت أعمالهم فى الدنیا و الأخرة و ما لهم من ناصرین (22))(38)

و لا نزید على ذلک، لأنه لیس بعد قول الله قول لأحد.

و عن محمد بن عیسى، عن بعض أصحابنا، عن أبى‏الحسن، موسى علیه‏السلام، قال:

«ان الله عزوجل غضب على الشیعة، فخیرنى نفسى، أو هم؟. فوقیتهم والله بنفسى»(39)

و لعله علیه‏السلام یقصد بالغضب کونهم کانوا کثیرین فى العمال و الموظفین فى دولة السلطان، من وزراء، و رؤساء، و قواد، الى عمال مختلفین، فکانوا أعوانا للظالم؛ أو أنه علیه‏السلام رآهم قد ترکوا التقیة و تکلموا علنا على عین السلطان، و بمرأى و مسمع منه، أو لعدم انقیادهم للامام علیه‏السلام فى أکثر أمورهم، و قلة اخلاصهم فى متابعة الائتمار بأمره… و سلام على أئمتنا الأطهار – بمقدار ما ضحوا، و بمقدار ما بذلوا من أجل الابقاء على شیعتهم!.


1) أنظر کشف الغمة ج 3 ما بین ص 2 و ص 42 و الکافى م 1 ص 471 و 486 و المحجة البیضاء ج 4 ص 217 و اعلام الورى ص 243 و 286 و الارشاد ص 269 و 270 و تذکرة الخواص ص 312 و ص 314 و مناقب آل أبى‏طالب ج 4 ص 323 و 324 و الأنوار البهیة ما بین ص 152 و ص 172 و تواریخ أهل البیت ص 182 و ص 183 و وفاة الامام موسى الکاظم علیه‏السلام ص 49 و ص 51 و ینابیع المودة ج 3 ص 1 و ص 11 و ص 33.و قیل: ولد سنة مئة و تسع و عشرین، و أنه أقام مع أبیه أربع عشرة سنة، أو تسع عشرة سنة، و أن أمه أندلسیة، و کل ذلک خطأ.

2) أنظر أکثر المصادر السابقة.

3) المصدر السابق.

4) سورة الانعام: 115.

5) سورة آل عمران: 18.

6) سورة القدر، 4 و الخبر فى الکافى م 1 من ص 385 الى ص 387 و الأنوار البهیة ص 153 ثلثه الأول المتعلق بولادته علیه‏السلام، و هو بتمامه فى حلیة الأبرار ج 2 ص 226 الى 227 و أورد قریبا منه فى، ص 229 – 228 – 227 و أورده أیضا باختصار عن أبى‏جعفر، محمد بن على مرفوعا.

7) الأنوار البهیة ص 153.

8) کشف الغمة ج 3 ص 34 و المحجة البیضاء ج 4 ص 278.

9) أى أین یتغوط فیتخلى و یضع حاجته الطبیعیة. و تصور هذا السؤال موجه لطفل فى الخامسة من عمره، و بمحضر من العلماء.

10) الاحتجاج ج 2 ص 288 – 287 و تحف العقول ص 303.

11) سورة آل‏عمران: 34 و الخبر فى مناقب آل أبى‏طالب ج 4 ص 314 و الأنوار البهیة ص 154 و 155 و حلیة الأبرار ج 2 ص 230 – 229، و 231 – 230 مکررا. و اعلام الورى ص 297 و 298.

12) اعلام الورى ص 298 و مناقب آل أبى‏طالب ج 4 ص 214 و حلیة الأبرار ج 2 ص 231.

13) سورة ق: 16.

14) مناقب آل أبى‏طالب ج 4 ص 211.

15) التوحید ص 180 – 179.

16) الارشاد ص 230 و کشف الغمة ج 3 ص 2 و ص 7 و ص 9 و الکافى م 1 ص 47 و أکثر مصادر بحثنا.

17) مناقب آل أبى‏طالب ج 4 ص 304 – 303 و تواریخ أهل البیت ص 183 و وفاة الامام موسى الکاظم ص 29 الى ص 31.

18) سورة النساء: 108.

19) سورة النساء: 109.

20) مناقب آل أبى‏طالب ج 4 ص 303.

21) مروج الذهب ج 3 ص 355 و هو فى وفاة الامام موسى الکاظم ص 51.

22) ینابیع المودة ج 3 ص 114.

23) الأنوار البهیة ص 167.

24) المصدر السابق ص 168.

25) سورة یوسف: 58 و الخبر فى الأنوار البهیة ص 169 و وفاة الامام موسى الکاظم ص 34 – 33.

26) وفاة الامام موسى الکاظم ص 33 – 32.

27) مناقب آل أبى‏طالب ج 4 ص 327 و حلیة الأبرار ج 2 ص 252 – 251 و هو فى العیون ج 1 ص 88 و وفاة الامام موسى الکاظم ص 28 و من ص 49 الى ص 51 و الأنوار البهیة ص 167.

28) الأنوار البهیة ص 169 – 168 و وفاة الامام موسى الکاظم ص 35 و ص 36 مکررا، و هو فى الکافى م 1 ص 229 – 228 و مناقب آل أبى‏طالب ج 4 ص 328 – 327 مع زیادة یسیرة و اختلاف فى بعض الألفاظ، و لم یصل علیه قاتله.

29) الأنوار البهیة ص 170 – 169.

30) الى هنا موجود فى مناقب آل أبى‏طالب ج 4 ص 308.

31) أنظر حلیة الأبرار ج 2 ص 252.

32) کشف الغمة ج 3 من ص 20 الى ص 25 و الارشاد من ص 279 الى ص 287 و انظره فى مناقب آل أبى‏طالب ج 4 من ص 326 الى ص 328 و هو بکامله فى الأنوار البهیة من ص 163 الى ص 167 و فى ینابیع المودة ج 3 ص 11 ذکر شیئا منه باختصار، و هو کذلک فى أعلام الورى ص 300 – 229 و فى حلیة الأبرار من ص 254 الى ص 259 مکررا بجمله روایات، و هو فى وفاة موسى الکاظم من ص 38 الى ص 41 باختلاف یسیر عن عتاب بن أمثل، و هو أیضا فى تحف العقول ص 304 باختصار، و مثل ذلک تجده فى الکافى م 1ص 476.

33) سورة النساء: 93.

34) الأنوار البهیة ص 171 و مناقب آل أبى‏طالب ج 4 ص 328 و اعلام الورى ص 300.

35) الأنوار البهیة ص 172.

36) سورة العنکبوت: 25.

37) الکافى م 1 ص 382 و الأنوار البهیة ص 173 – 172.

38) سورة آل‏عمران: 22 – 21.

39) الکافى م 1 ص 260.