«أنفذ هارون الى الإمام(علیه السلام) جاریة وضّاءة بارعة فی الجمال والحسن، أرسلها بید أحد خواصّه لتتولى خدمة الإمام ظانّاً أنه سیفتتن بها، فلما وصلت إلیه قال(علیه السلام) لمبعوث هارون:
قل لهارون: بل أنتم بهدیتکم تفرحون، لا حاجة لی فی هذه ولا فی أمثالها.
فرجع الرسول ومعه الجاریة وأبلغ هارون قول الإمام(علیه السلام) فالتاع غضباً وقال له:
ارجع إلیه، وقل له: لیس برضاک حبسناک ولا برضاک أخدمناک واترک الجاریة عنده، وانصرف.
فرجع ذلک الشخص وترک الجاریة عند الإمام(علیه السلام) وأبلغه بمقالته.
وأنفذ هارون خادماً له الى السجن لیتفحص عن حال الجاریة، فلما انتهى إلیها رآها ساجدة لربّها لا ترفع رأسها وهی تقول فی سجودها: قدوس، قدوس.
فمضى الخادم مسرعاً فأخبره بحالها فقال هارون: سحرها والله موسى ابن جعفر، علیّ بها.
فجیئ بها إلیه، وهی ترتعد قد شخصت ببصرها نحو السماء وهی تذکر الله وتمجّده، فقال لها هارون:
ما شأنک؟!
قالت: شأنی الشأن البدیع، إنی کنت عنده واقفة وهو قائم یصلّی لیله ونهاره، فلمّا انصرف من صلاته قلت له: هل لک حاجة أُعطیکها؟
فقال الإمام(علیه السلام): وما حاجتی إلیک؟
قلت: إنی اُدخلت علیک لحوائجک.
فقال الإمام(علیه السلام): فما بال هؤلاء – واشار بیده الى جهة- فالتفتُّ فاذا روضة مزهرة لا أبلغ آخرها من أولها بنظری، ولا أولها من آخرها، فیها مجالس مفروشة بالوشی والدیباج، وعلیها وصفاء ووصایف لم أر مثل وجوههنّ حسناً، ولا مثل لباسهنّ لباساً، علیهن الحریر الأخضر، والاکالیل والدر والیاقوت، وفی أیدیهن الاباربق والمنادیل، ومن کل الطعام، فخررت ساجدة حتى أقامنی هذا الخادم، فرأیت نفسی حیث کنت.
فقال لها هارون وقد اترعت نفسه بالحقد:
یا خبیثة لعلّک سجدت، فنمت فرأیت هذا فی منامک!
قالت لا والله یا سیدی، رأیت هذا قبل سجودی، فسجدت من أجل ذلک.
فالتفت الرشید الى خادمه، وأمره باعتقالها واخفاء الحادث لئلاّ یسمعه أحد من الناس، فأخذها الخادم، واعتقلها عنده، فأقبلت على العبادة والصلاة، فاذا سئلت عن ذلک قالت: هکذا رأیت العبد الصالح»(1)
1) الحلبی فی مناقب آل أبی طالب: 4 / 322 عن العامری فی کتاب الأنوار.