لقد کان عهد الصادقین(علیهما السلام) عهد الانفراج النسبی لمدرسة أهل البیت(علیهم السلام) حیث استطاعت أن تنشر علوم أهل البیت(علیهم السلام) وتخرّج الاساتذة والعلماء المسؤولین والاُمناء على حفظ تراث هذا الخطّ الرسالی بین أبناء الاُمة الإسلامیة.
ومن هنا فقد تکاملت لابناء هذه المدرسة فی عهدهما الاُسس المتینة التی أرساها الرسول الاعظم(صلى الله علیه وآله) والإمام علی بن أبی طالب(علیه السلام) من بعده فی المنهج والمحتوى والاسلوب.
وکان عصر الإمام الکاظم(علیه السلام) الذی استمر ثلاثة عقود أو ما یزید علیها قلیلا ـ استمراراً للمسیرة العلمیة والثقافیة التی حقّقها الصادقان(علیهما السلام) حتى تخرج فی عهده(علیه السلام) عدد مهم من الفقهاء الرواة الذین أصبحوا بمستوى
العطاء الذی قدمه الإمام الکاظم(علیه السلام) للاُمة الإسلامیة فی حقلی النظریة والتطبیق معاً ـ کما سیتضح ذلک فیما سوف نراه من تبلور کثیر من القواعد الاصُولیة والفقهیة فی مجال الاجتهاد الفقهی فی هذه المدرسة العملاقة.
ثمّ إنّ انتشار التشیع واتّساع حجم الولاء والانتماء لخط أهل البیت(علیهم السلام) بالمعنى الخاص الذی یتمیّز عن الخط العباسی بعد جهود الصادقین(علیهما السلام) کان من نصیب عهد الإمام الکاظم(علیه السلام).
واتساع القاعدة کان یتطلب توسّع نشاط القیادة فی رعایة شؤون الاتباع وصیانة الجماعة الصالحة من أنواع المزالق والانحرافات والعقبات.
على أن کثرة السؤال عن قضایا الشریعة اُصولا وفروعاً لاتساع دائرة الانتماء ولتطور الزمن مع استعداد مدرسة أهل البیت(علیهم السلام) للاستجابة للمستجدات، کل هذا تطلب نشاطاً أکبر وأوسع من القیادة المتمثلة فی الإمام الکاظم(علیه السلام) بالرغم من حراجة الظرف بعد استشهاد الإمام الصادق(علیه السلام) وعدم التوجیه العام حول إمامة موسى الکاظم(علیه السلام) لکل أبناء الطائفة…
من هنا کان الإمام(علیه السلام) بحاجة الى توظیف عدد من أصحابه الاخصّاء به لادراة شؤون الجماعة الصالحة بتقبّل الوکالة عن الإمام والتحرک لجمع الأموال والحقوق التی رسم لهاأهل البیت نظاماً ومنهجاً خاصاً یکفل للجماعة الصالحة استمرار وجودها وتطورها واستحکام اسسها بنحو یجعلها قادرة على مواجهة التحدیات المستمرة.
وهذا هو الذی کان یخشاه الخلفاء، کلٌ بمقدار نباهته وغوره الى عمق هذا الخط.. حتى أثار هذا النشاط الواسع والخط التثقیفی المعمق حفیظة هارون الرشید تجاه شخص الإمام الکاظم(علیه السلام) حیث کان یراه الندّ الحقیقی الذی یهدد سلطانه.
وکان هارون جرئیاً فی الاقدام على سجن الإمام وعزله عن قواعده. ولکنّ أصحاب الإمام(علیه السلام) کانوا على اتصال مستمر به وهو فی قید السجن.
وکان هذا التخطیط یعدّ تطوراًواضحاً فی التعامل مع الأحداث واستغلالا للظروف الحرجة أحسن استغلال لاکمال المسیرة الربّانیة الى حیث الاهداف المبتغاة منها.
وقد تمثل العطاء العلمی والفکری للإمام الکاظم(علیه السلام) فی مجالات:
1 – الروایة
2 – التدریس
3 – المناظرة
4 – التألیف
کما تنوّعت مجالات الروایة والتألیف والمناظرة والتدریس الى الحقول العلمیة المختلفة، کما یشهد لذلک تنوّع التراث الذی وصلنا عن الإمام الکاظم(علیه السلام)، ونستطیع أن نلمس ذلک بکل وضوح من خلال مطالعة مسنده الذى یبلغ ثلاثة أجزاء فیما یقرب من ألف صفحة تقریباً.
وقد اشتمل على أنواع المعرفة العقائدیة والتأریخیة والتربویة والأخلاقیة والاحکام الشرعیة والأدعیة والزیارات وما یرتبط بمجال توثیق الرجال وسائر ما یرتبط ببیان عصر الإمام الکاظم(علیه السلام) واحتجاجاته مع الحکام والمخالفین أوما یرتبط بمدرسته العلمیة المتمثّلة فی المتخرجین من طلابه والنابهین من صحابته.
وقد بلغت بعض تألیفات أصحاب الإمام حجماً هائلا مثل ما أ لّفه هشام ابن الحکم وصفوان بن یحیى بیّاع السابری والحسن بن محمد بن سماعة
الکندی حیث بلغت الکتب المؤلفة لکل منهم ثلاثین مؤلفاً.
کما ألّف علی بن الحسن الطاطری أربعة عشر کتاباً والحسن بن محبوب السراد ستة کتب وعبد الله بن جبلة سبعة کتب وعلی بن یقطین ثلاثة کتب. وهذا هو بعض النشاط العلمی لصحابة الإمام(علیه السلام)(1)
1) راجع الفهرست للشیخ الطوسی: 96، 103، 146، 155، 156، 258.