إنّ سیرة الإمام(علیه السلام) ومواقفه من الرشید لم تکن استسلامیة بل کان الإمام(علیه السلام) صلباً فی مواقفه یتحدّى بها الرشید، وان کان فی بعضها شیء من المرونة فی بعض الأحیان وذلک لمعرفة الإمام(علیه السلام) به وبنوایاه فکان یراعی فی مواقفه المصالح العلیا.
ونختار بعض المشاهد التی تعبّر عن حقیقة موقف الإمام(علیه السلام) من حکومة الرشید.
المشهد الأوّل: عن محمد بن طلحة الأنصاری قال: کان مما قال هارون لأبی الحسن(علیه السلام) حین اُدخل علیه:
«ما هذه الدار؟
فقال(علیه السلام): هذه دار الفاسقین، قال الله تعالى:(سأصرف عن آیاتی الذین یتکبّرون فی الأرض بغیر الحق وان یروا کلّ آیة لا یؤمنوا بها وان یروا سبیل الرشد
لا یتّخذوه سبیلا وان یَروا سبیل الغیّ یتخذوه سبیلا)(1)
فقال له هارون: فدار من هی؟ قال(علیه السلام): هی لشیعتنا فترة ولغیرهم فتنة.
قال: فما بال صاحب الدار لا یأخذها؟
فقال: «اُخذت منه عامرة ولا یأخذها الاّ معمورة».
قال: فأین شیعتک؟ فقرأ أبو الحسن(علیه السلام): (لم یکن الذین کفروا من أهل الکتاب والمشرکین منفکین حتى تأتیهم البیّنة)(2)
قال: فقال له: فنحن کفار؟ قال(علیه السلام): لا، ولکن کما قال الله (الذین بدّلوا نعمة الله کفراً وأحلّوا قومهم دار البوار)(3)
فغضب عند ذلک وغلظ علیه إذ قد لقیه أبو الحسن(علیه السلام) بمثل هذه المقالة، وما رهبه وهذا خلاف قول من زعم أنه هرب منه من الخوف(4)
المشهد الثانی: عن الإمام الکاظم(علیه السلام) قال: «قال لی هارون: أتقولون أن الخمس لکم؟
قلت: نعم.
قال: انه لکثیر.
قال: قلت: إنّ الذی أعطاناه علم أنه لنا غیر کثیر»(5)
المشهد الثالث: إنّ هارون الرشید کان یقول لموسى بن جعفر(علیه السلام): «حُدّ فدکاً حتى أردّها إلیک، فیأبى حتى ألحّ علیه.
فقال(علیه السلام): لا آخذها إلاّ بحدودها. قال: وما حدودها؟
قال(علیه السلام): ان حددتها لم تردّها. قال: بحق جدّک إلاّ فعلت.
قال(علیه السلام): أمّا الحد الأول فعدن. فتغیر وجه الرشید وقال: ایهاً.
قال(علیه السلام): والحد الثانی سمرقند. فاربدّ وجهه.
قال(علیه السلام): والحدّ الثالث افریقیة. فأسودّ وجهه وقال: هیه
قال(علیه السلام): والرابع سیف البحر مما یلی الجزر وأرمینیه. قال الرشید: فلم یبق لنا شیء، فتحوّل الى مجلسی!
قال موسى(علیه السلام): قد أعلمتک أننی ان حددتها لم تردّها. فعند ذلک عزم على قتله»(6)
المشهد الرابع: ولمّا دخل هارون الرشید المدینة توجّه لزیارة النبی(صلى الله علیه وآله) ومعه الناس فتقدم الرشید الى قبررسول الله(صلى الله علیه وآله)وقال: السلام علیک یا رسول الله یاابن عمّ، مفتخراً بذلک على غیره.
فتقدم أبو الحسن(علیه السلام) فقال «السلام علیک یا رسول الله، السلام علیک یا أبه» فتغیر وجه الرشید وتبیّن الغیظ فیه»(7)
1) الأعراف (7): 146.
2) البینة (98): 1.
3) ابراهیم (14): 28.
4) تفسیر العیاشی: 2 / 29 الاذیله وعنه فی بحار الأنوار: 48 / 138، ح 13 والاختصاص: 256، بحار الأنوار: 48 / 156.
5) بحار الأنوار: 48 / 158 عن کتاب الاستدارک.
6) تاریخ بغداد: 13 / 31 وعنه فی تذکرة الخواص: 313 وفی مناقب آل أبی طالب: 4 / 346 وعنه فی بحار الأنوار: 48 / 144.
7) کامل الزیارات: 18 ب 3 وعنه فی بحار الأنوار: 48 / 136، وفی مناقب آل أبی طالب: 4 / 345.