و لأجل ذلک: فان من الطبیعى أن لا یکون الحکام آنئذ بمنأى عن ساحة الصراع الفکرى، و العقائدى هذه، بل کانوا یرصدونها بدقة فائقة،
و مهارة فریدة، لأنها کانت تعنیهم أکثر من کل أحد..
و کانوا یرون: أن علیهم أن یهتموا بالأمر اهتمامهم بمستقبلهم، و بحیاتهم، و وجودهم، و بمصیرهم.. و یعملون – علنا تارة، و فى الخفاء أخرى – على تقویة ذلک الفریق الذى یجدون: أن التعامل معه لا یواجه بأیة صعوبات، أو مشکلات تذکر.. فکیف اذا کانوا یرون أن فى هذا التعامل ضمانة حقیقیة و أکیدة لمستقبلهم بجمیع آفاقه و حالاته و تقلباته..
الا أن بعض هؤلاء الحکام – و فى طلیعتهم المأمون العباسى، الذى کان أعظم الخلفاء العباسیین دهاء و حنکة، و أکثرهم علما، و أبعدهم، نظرا، و أعلمهم بالسیاسة و أحابیلها(1) – قد رأوا: أن الظهور بمظهر المشجع و المناصر للفکر و للعلم، و الحامى و المدافع عن حریة الکلمة، و عن قدسیتها، أمر یخدم قضیتهم و وجودهم فى الحکم بصورة عامة – و ذلک لأسباب مختلفة، لا مجال لبحثها الآن – مهما کان هذا الستار الزائف یخفى وراءه الکثیر من الخداع، و التضلیل،ثم التزییف الماکر لکثیر من الحقائق، التى لا توافق سیاساتهم، و لا تخدم مصالحهم(2)
1) راجع کتابنا: الحیاء السیاسیة للامام الرضا علیهالسلام. فصل: من هو المأمون.
2) راجع: المصدر السابق ص 408 – 405 ففیه بعض ما یرتبط بهذا المقام. و الذى یثیر الالتفات هو تناقضهم فى مواقفهم، ففى نفس الوقت الذى یتظاهرون فیه بتشجیع العلم و الفکر فانهم یفرقون تلامذة الرضا، و یمنعون ابنعباس من التفسیر و الکلام.