هذا و قد رأینا: أنهم – أعنى أولئک المتمحلین – حین یریدون تعیین هؤلاء الخلفاء الاثنى عشر، یخبطون خبط عشواء فى اللیلة المطیرة الظلماء.. فراجع تاریخ الخلفاء للسیوطى.. الذى لم یستطع أن یجزم بشىء فى مجال التعرف على هؤلاء الاثنى عشر، حیث استطاع أن یعد ثمانیة خلفاء فقط،
وجد فیهم ما رآه مبررا لجعلهم منهم، و هم الخلفاء الأربعة، و الحسن «علیهالسلام» و معاویة، و ابنالزبیر، وعمر بن عبدالعزیز، قال: «و یحتمل أن یضم الیهم المهتدى من العباسیین، لأنه فیهم کعمر بن عبدالعزیز فى بنىأمیة، و کذلک الظاهر، لما أوتیه، من العدل، و بقى الاثنان المنتظران: أحدهما المهدى، لأنه من آل بیت محمد «صلى الله علیه و آله»(1)
و لا ندرى ما المبرر هذه الفجوات الواسعة، التى ترکها شاغرة، حیث انتقل من معاویة الى عمر بن عبدالعزیز، ثم منه الى المهدى أو المهتدى العباسى!! و هکذا.. فهل یمکن أن یکون هذا مقبولا لدى العقلاء، و لدى أهل اللسان فى فهم نص کهذا؟!! أم أنهم یفهمون الاتصال، و عدم الفصل!!
و من جهة أخرى: فقد أجهد العسقلانى نفسه للخروج من هذه المعضلة، بحیث یبقى محتفظا بما هو أقل القلیل من ماء الوجه.
فلم یفلح الا باضافة المزید من الشبهات و التعمیات على البسطاء و السذج..
أما القاضى عیاض، فقط طبق الحدیث على الخلفاء الأربعة، و خلفاء بنىأمیة الذین منهم یزید لعنة الله تعالى!!.. متجاهلا بذلک تصریح بعض الروایات بأنهم کلهم من بنىهاشم.. و تصریح عدد آخر بأسمائهم «علیهمالسلام»، و تصریح طائفة أخرى، بأنهم «کلهم یعمل بالهدى و دین الحق»
الى غیر ذلک من خصوصیات تکذب و تبعد ما ادعاه..
ولکننا نجد فى المقابل: أن فیهم من ظهر الحق على لسانه، و نطق بالصدق و لم یخش فى الله لومة لائم.. فقد قال القندوزى الحنفى:
«قال بعض المحققین: ان الأحادیث الدالة على کون الخلفاء بعده «صلى الله علیه و آله» اثنا عشر، قد اشتهرت من طرق کثیرة، فبشرح الزمان، و تعریف الکون و المکان، علم: أن مراد رسولالله «صلى الله علیه و آله» من حدیثه هذا: الأئمة الاثنا عشر من أهل بیته، و عترته.
اذ لا یمکن أن یحمل هذا الحدیث على الخلفاء بعده من أصحابه، لقلتهم عن اثنى عشر.
و لا یمکن أن یحمله على الملوک الأمویة لزیادتهم على اثنى عشر، و لظلمهم الفاحش، الا عمر بن عبدالعزیز، ولکونهم غیر بنىهاشم، لأن النبى «صلى الله علیه و آله» قال: کلهم من بنىهاشم فى روایة عبدالملک عن جابر. و اخفاء صوته «صلى الله علیه و آله» فى هذا القول(2) یرجح هذه الروایة، لأنهم لا یحسنون خلافة بنىهاشم.
و لا یمکن أن یحمله على الملوک العباسیة، لزیادتهم على العدد المذکور، و لقلة رعایتهم الآیة: (قل لا أسألکم علیه أجرا الا المودة فى القربى)..(3) و حدیث الکساء..
فلابد من أن یحمل هذا الحدیث على الأئمة الاثنى عشر، من أهل بیته و عترته «صلى الله علیه و آله»، لأنهم کانوا أعلم أهل زمانهم، و أجلهم، و أورعهم، و أتقاهم، و أعلاهم نسبا، و أفضلهم حسبا، و أکرمهم عند الله. و کان علمهم عن آبائهم متصلا بجدهم «صلى الله علیه و آله»، و بالوراثة و اللدنیة، کذا عرفهم أهل العلم و التحقیق،و أهل الکشف و التوفیق.
و یؤید(4) هذا المعنى، أى أن مراد النبى «صلى الله علیه و آله» الأئمة الاثنا عشر من أهل بیته، و یشهده و یرجحه: حدیث الثقلین، و الأحادیث المتکثرة، المذکورة فى هذا الکتاب و غیرها..
و أما قوله «صلى الله علیه و آله» کلهم تجتمع علیه الأمة، فى روایة عن جابر بن سمرة، فمراده «صلى الله علیه و آله»: أن الأمة تجتمع على الاقرار بامامة کلهم وقت ظهور قائمهم المهدى رضى الله عنهم»(5) انتهى.
أو أن الأمة تجتمع على الاقرار بفضلهم، و علمهم، و تقواهم، کما سننقله عن الجاحظ فى أواخر الفصل السادس. ان شاء الله تعالى..
و حسبنا ما ذکرناه هنا، فان استقصاء البحث فى هذا الأمر یحتاج الى توفر تام، و تألیف مستقل..
غیر أن لنا کلاما فى حقیقة ما یرمى الیه هؤلاء من القبول بتطبیق
حدیث الأئمة الاثنى عشر على أئمة الشیعة الامامیة ذکرناه فى کتابنا: «ابنعربى سنى متعصب»..
حیث ذکرنا هناک: أن هؤلاء یهدفون الى الحفاظ على عقیدة التسنن، و لکنهم لا یزیدون على الاعتراف بأنهم مجرد أئمة فى العلم و الدین، ولکن لا ربط لامامتهم بالحکم و الحاکمیة،فهم یشبهون أولیاء الصوفیة عندهم..
و بقیة الکلام موکول الى الکتاب المشار الیه آنفا..
1) المصدر السابق ص 12.
2) کما جاء فى عدد من النصوص، التى ذکرها فى ینابیع المودة قبل ذلک.
3) الآیة 23 من سورة الشورى.
4) الظاهر: أن کلام ذلک المحقق قد انتهى، و بدأ من هنا فصاعدا کلام القندوزى الحنفى نفسه.
5) ینابیع المودة للقندوزى الحنفى ص 446.