لقد امتاز الشیعة الامامیة، و بتأثیر من تعلیم أئمتهم الأطهار، و التزاما منهم بمنهج القرآن – امتازوا – بالاعتماد على العقل و الفطرة الإنسانیة، و الخضوع لقضائهما، و الالتزام بأحکمهما فى أصول عقائدهم.
أى فى التوحید، و صفات الله الثبوتیة، و السلبیة، و الاعتقاد بالعدل الالهى و بالنبوات و بالامامة، و بالجزاء..
و هذا الأمر.. أعنى اعطاء العقل دوره فیما تتوافق العقول على ادراکه، لم یکن أمرا عارضا، و لا حالة استثنائیة عند الشیعة. و انما هو من الأمور المتأصلة فى فکرهم، و یتخذ صفة العمق، و التجذر، و الرسوخ فى مختلف مناحى ثقافتهم، و معارفهم بصورة عامة.
و قد نبغ فیهم و منهم کبار المتکلمین، و أرباب الفکر المبدع، و القریحة الخلافة، من أمثال هشام بن الحکم، و هشام بن سالم، و أبىجعفر محمد بن النعمان الأحول، المعروف بمؤمن الطاق عند الشیعة، و بشیطان الطاق عند أهل السنة، وعلى بن اسماعیل المیثمى، و غیرهم، و غیرهم، ثم تلامذتهم من بعدهم..
بل ان الاعتزال الذى یعتبر متطرفاً فى الاعتماد على العقل و أحکامه، انما اعتمد فى أعظم رکنین فیه، و هما: «التوحید، و العدل» على أقوال الامام على أمیرالمؤمنین علیه الصلاة والسلام، التى انطلقت من قضاء الفطرة، و أحکام العقل الصحیحة و السلیمة.
اذن.. فلم یکن للشیعة أن یقبلوا بأمر یخالف صریح حکم العقل، ولکنهم حین یقوم عندهم برهان ساطع، و دلیل قاطع، على أمر لیس للعقل سبیل الى ادراک جمیع خصائصه، و خبایاه، و میزاته، و خفایاه، فإنهم یجدون أنفسهم ملزمین بقبوله ما دام أنه مما تعنو له آراؤهم، و تنقاد له عقولهم بالخضوع و التسلیم..