قال على بن یقطین:
«لما حمل رأس صاحب فخ(1) الى موسى بن المهدى – أى الهادى العباسى – أخذ ینال من الطالبیین الى أن نال من موسى بن جعفر، و حلف الله بقتله. فتکلم فیه القاضى أبویوسف حتى سکن غضبه.
و أنهى الخبر الى الامام علیهالسلام، و عنده جماعة من أهل بیته، فقال لهم: بم تشیرون؟.
قالوا: نرى أن تتباعد عنه، و أن تغیب شخصک، فانه لا یؤمن شره.
فتبسم ثم قال:
زعمت سخینة أن ستغلب ربها++
و لتغلبن مغالب الغلاب(2)
ثم رفع یده الى السماء فقال:
الهى کم من عدو شحذ لى ظبة مدیته – أى حد سیفه – و أرهف لى شبا حده وداف لى قواتل سمومه – أى خلط سمومه بالطعام – و لم تنم عنى عین حراسته. فلما رأیت ضعفى عن احتمال الفوادح – أى المصائب – و عجزى عن ملمات الجوائح – العواصف الهائلة – صرفت عنى ذلک بحولک و قوتک، لا بحولى و قوتى. فألقیته فى الحفیرة التى احتفر لى، خائبا مما أمله فى دنیاه، متباعدا مما رجاه فى آخرته، فلک الحمد على قدر استحقاقک سیدى.
أللهم فخذه بعزتک، وافلل حده عنى بقدرتک، واجعل له شغلا فى ما یلیه، و عجزا عمن یناویه.
أللهم و أعدنى علیه عدوى حاضرة تکون من غیظى شفاء، و من حقى علیه وفاء، و صل اللهم دعائى بالاجابة، و انظم شکایتى بالتغییر، و عرفه عما قلیل ما وعدت الظالمین، و عرفنى ما وعدت فى اجابة المضطرین، انک ذو الفضل العظیم، و المن الکریم.
ثم أقبل على أصحابه فقال لهم:
یفرح روعکم. فأنه لا یأتى أول کتاب من العراق، الا بموت موسى – الهادى – بن المهدى – العباسى -.
قالوا: و ما ذلک أصلحک الله.
قال: و حرمة صاحب القبر – یعنى رسول الله صلى الله علیه و اله و سلم – قد مات من یومه هذا!. والله (انه لحق مثل ما أنکم تنطقون (23)).(3)
ثم تفرق القوم، فما اجتمعوا الا لقراءة الکتب الواردة بموت موسى بن المهدى».(4)
فالأئمة من أهل بیت النبى صلوات الله علیه و علیهم، کانوا یعملون بین یدى ربهم، و لا یتاجرون مع غیره، و کانوا – اذا لزم الأمر – یضربون الضربة القاصمة – باذن الله – فلا تخفى على خصومهم، ولکنهم یأخذهم الکبر و الکفر و الفساد، و سورة العزة بالاثم، فتزداد طباعهم قساوة و صلابة.
فهذا الهادى الى الضلال و سوء الفعال، قد نال من الطالبیین سبا و شتما و لعنا، و لم یشف غلیله بقتل الحسین بن على بن الحسن بن على بن أبىطالب علیهالسلام، و حمل رأسه الیه، بل عزم على قتل الامام الکاظم علیهالسلام أیضا لیبرد حر قلبه الذى کان أسود تضطرم فیه نار الحقد!.
فما کان من أمامنا علیهالسلام، الا أن برز الى الله تعالى فى خلوة روحانیة، و رفع الیه کفیه ابتهالا و تضرعا، و دعا على ذلک الحاکم الظالم الذى کان یصر بأنیابه حنقا علیه، ثم انفتل من دعائه لیخبر أصحابه بأن الهادى – السلطان المتجبر – الذى یخافون علیه منه قد لوت عنقه دعوة الامام علیهالسلام، فأوردته الموت الزؤام.
فیا أیها المتعالى فى الأرض، الغافل عما یراد بک، هل ضمنت لنفسک طول العمر حتى تنتقم لعشیرتک المارقة من الدین، و توغل فى الانتقام؟!
و هلا ذکرت المتعالى فى السماء، المنتقم الجبار، و لا ذکرت أن سیف عزرائیل علیهالسلام مصلت فوق رأسک، و لا تعرف متى یهوى علیه فیشقه نصفین؟!.
أأمنت مکر الله؟! (فلا یأمن مکر الله الا القوم الخاسرون (99))(5)
و أنت منهم کما دلت علیه سیرتک، و ما تنطوى علیه سریرتک… و قد دفن غلک معک، فابتلع الزقوم، و اشرب من ماء الحمیم.
1) صاحب فخ هو أبوعبدالله، الحسین بن على بن الحسن بن على بن أبىطالب علیهالسلام، بایعه جماعة من العلویین بالخلافة، و خرج فى سنة 169 هجریة، فلقیته جیوش بنىالعباس فى واد قرب مکة – هو وادى فخ- فقتل هناک.
2) هذا البیت لکعبة من مالک، و قیل: هو لحسان بن ثابت. و السخینة لقب قریش لأنها کانت تکثر من أکل السخینة فتعاب به. و السخینة طعام یصنع من الدقیق و السمن مع اضافة غیر ذلک الیها.
3) سورة الذریات: 23.
4) مناقب آل أبىطالب ج 4 ص 307-306 و حلیة الأبرار ج 2 ص.
5) سورة الأعراف: 99.