فلو قدر لهذه الفرقة أن تفشل فى تسجیل نصر حاسم لها فى هذا الظرف بالذات، الذى یرى الناس فیه: أنها تتمتع بحریة الحرکة و الکلمة معا، ثم یکون فشلها فى أکثر القضایا حساسیة، و أعظمها خطرا، و أبعدها أثرا، والتى هى المحور و الأساس لسائر القضایا، و فى مختلف المجالات… فان فشلها هذا سیکون حاسما، و نهائیا. و لن تقوم لها بعد أیة قائمة.. و لاسیما فى هذه الفترة التى کانت فیها سائر العقائد و الفرق، تحاول اثبات وجودها، و تکریس خطها فى أکبر قطاع ممکن فى الأمة الاسلامیة، فى مختلف أرجاء العالم الاسلامى..
لأن الفرقة التى تعجز عن ذلک، فلسوف تفقد فرصة العیش و البقاء، و لسوف یکون مصیرها التلاشى، و الاندثار، أمام قوة اندفاع سائر الفرق..
و ان هذا الفشل لو أصاب الطائفة الامامیة، فان من شأنه أن یضعها – شاءت أم أبت – أمام الخیارات الصعبة التالیة:
1- أن یرمى بها بعیدا الى الأصقاع النائیة، حیث الجهل، و الحرمان، و التخلف، و البداوة، بعیدا عن مناطق الصراع و التحدى.. کما حصل لعامة فرق الخوارج، التى کانت عامة مبادئها منافرة لأحکام العقل، و الفطرة،
الوجدان، فلم تستطع الثبات أمام الفکر، و المنطق، و العلم، فانحسرت الى تلک المناطق البعیدة الخاویة، و الربوع الخالیة..
2- أن تعدل الکثیر من أفکارها و عقائدها، و تجعلها تتوافق و تتلاءم، أو على الأقل لا تتنافر، أو تتناقض، مع النظرة التزویریة العامة، التى ارتضاها الحکام للناس، و المحمیة بحراب الارهاب، و التجویع، أو الاغراء و التطمیع..
و هذا بالذات هو ما فعلته فرقة الاباضیة من الخوارج، کما أوضحناه فى کتابنا: «على علیهالسلام و الخوارج»..
3- أن تتحول الى عقیدة باطنیة، منغلقة على نفسها، و تعیش فى ظلام الابهام و الغموض، و لا تجرؤ على الظهور الى النور، و معالجة الصراع، على أساس الدلیل و الحجة، حتى بالنسبة لغالب من ینتمون الیها – اسمیا أو وراثیا – فضلا عن معالجة الصراع و التحدى على الصعید الفکرى العام..
و هذه الخیارات کلها تتناقض مع أساس أطروحة التشیع، و مع مبادئه.. و لا یمکن أن ترضى طائفة الشیعة بأن یمر خیال ذلک فى وهمها، فضلا عن أن ترضى به کأمر واقع فى حیاتها..