و بعد کل ما تقدم.. فان القاء نظرة فاحصة على طبیعة العصر الذى عایشته هذه الحالة المتمیزة للامام «علیهالسلام»، و لطائفة الشیعة معه، تعطینا: أن هذه الطائفة تواجه خطرا داهما، و أعاصیر هوجاء عاتیة، تقتحمها من خارج کیانها..
و هى من شأنها – لو تمکنت منها -: أن تقتلعها من جذورها، و ترمى بها بعیدا، بعیدا، فى متاهات النسیان، والانقراض، أو الغموض و الابهام، کما کان الحال بالنسبة لکثیر من الفرق الأخرى التى لم تستطع الصمود، فتلاشت واضمحلت أمام ما هو أقل و أضعف بأضعاف کثیرة، مما واجهته هذه الطائفة..
و ما یزید الأمر خطورة، والمشکلة تعقیدا، و لاسیما بالنسبة للعامة من الناس، الذین لم یأخذوا من العلم بنصیب وافر، هو ذلک الانفتاح الواسع لأرباب الملل و المذاهب، بعضهم على بعض، و الاهتمام بطرح المسائل الفکریة، و العقائدیة الدقیقة، و المحاولات الجادة من کل طرف لالقاء الشبهات، و وضع علامات الاستفهام الکبیرة حول کل ما یرتبط بعقائد الفئات الأخرى، و کل نحلهم، و أفکارهم، و تصوراتهم..
حیث ان تلک الفترة کانت فترة نضج و تبلور، ثم تکریس للأفکار و المذاهب، التى یمکنها أن تثبت جدارتها فى مقابل غیرها، ثم تفرض هیمنتها و قدرتها على استقطاب القطاع الأکبر و الأوسع من الناس..
حتى اذا ما فشلت فى ذلک، فان مصیرها هو الانکسار، ثم الدمار، و الاندثار..