جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

طائفة الشیعة.. و موقعها

زمان مطالعه: 2 دقیقه

و اذا نظرنا الى طائفة الشیعة الامامیة، فسنجد: أنها تعتبر من أعرق الفرق و أشهرها، و أبلغها حجة، و أشدها فى الصراع الفکرى شکیمة.. حتى لقد بلغ

من قوتها، و عظمة دعوتها: أن اضطرت السلطة للتعامل مع قائدها و زعیمها – و هو الامام الرضا «علیه‏السلام»، الذى اغتالته بالأمس – بذلک الأسلوب الخاص، والنادر جدا، و الفرید من نوعه.. و ذلک بالبیعة له بولایة العهد، حتى اذا رأوا أنهم قد فشلوا فى تحقیق مقاصدهم، بادروا الى التخلص منه بالطریقة التى عرفها کل أحد، و هى دس السم الیه، حسبما أوضحناه، فى کتابنا: «الحیاة السیاسیة للامام الرضا علیه‏السلام».

و ذلک ان دل على شى‏ء فانما یدل على قوة حجة الأئمة «علیهم‏السلام»، ثم على مدى نفوذ و قوة فرقة الشیعة الامامیة، و تأثیر کلمتها، و آرائها فى الناس، و فى عواطفهم، و مواقفهم.

الى حد أن سائر الفرق، أصبحت ترى فیها: أنها أقوى منافس فکرى عقائدى لها، و أنها هى الأوضح حجة، و الأبین دلیلا، و أنها لو أفسح لها المجال، فسوف تکتسح الساحة، و تستقطب مختلف قطاعات الأمة، بما تملکه من فکر حى، و بما لها من أصالة متجذرة فى أعماق الفطرة، و العقل، و الوجدان.

و هذا معناه: أن أى حدث عقائدى فرید من نوعه، و خطیر تتعرض له هذه الفرقة بالذات.. کصیرورة الامامة الى من هو فى سن السبع أو الثمان سنوات.. لسوف یلفت أنظار خصومها، و یشد عقولهم الیه، و سوف تغریهم السلطة، و طبیعة الحدث معا، بالاستفادة من هذه الحالة العارضة، لشن هجوم عنیف و حاسم، یستهدف الفکر العقائدى لهذه الفرقة فى الصمیم..

و هذا الهجوم سیثلج صدر السلطة، التى لن تألوا جهدا، و لن تدخر وسعا فى المساعدة علیه، و خلق الظروف الملائمة لتحقیق أکبر قدر من النجاح له.. لأنه ینسجم کل الانسجام مع أطروحتها الرامیة للتخلص من الفکر العقائدى لهذه الفرقة، و محوه من الوجود بالکلیة..

و اذا ما أتیح لهم و للسلطة ذلک، فان جمیع فرص النجاح على الصعید العام، لسوف تکون متاحة لهم، و یحق لهم – و الحالة هذه – أن یحلموا بمستقبل زاهر، یحمل لهم معه کل الامتیازات و المکاسب، دونما رقیب، و دونما منازع، حیث لم یعد ثمة ما یمکن أن یعتبر خطرا جدیا یتهدد المستقبل العقائدى لهؤلاء، و السیاسى لأولئک على حد سواء..

نعم.. ان معاصرة هذه الفرقة لتلک النهضة الفکریة القویة جدا منذ بدایتها، و لمدة طویلة، فى أعظم الأمور حساسیة، و هو أمر الامامة و القیادة.. و فى حالة مثیرة للانتباه، لافتة للنظر، و هى تشیر للخصوم بأن هذه الفرقة فى أشد حالات الضعف و الوهن – بنظرهم – المتمثل فى صغر سن الامام الجواد «علیه‏السلام»، ثم الامام الهادى علیه الصلاة والسلام، و الامام الحجة المنتظر صلوات الله علیه من بعده.

ثم استمرار هذه الحالة لسنوات کثیرة، ترافق ذلک الانفتاح و التجاذب الفکرى – ان ذلک – من شأنه أن یهى‏ء الفرصة، و یثیر الشهیة لطرح ما أمکنهم من الأسئلة التشکیکیة، و اثارة کل ما یقع تحت یدهم من الشبهات فى أعظم قاعدة دینیة، تخاض من أجلها اللجج، و بذلت، و تبذل دونها المهج، حتى لیقول الشهرستانى:

«و أعظم خلاف بین الأمة خلاف الامامة، اذ ما سل سیف فى الاسلام على قاعدة دینیة، مثل ما سل على الامامة فى کل زمان»(1)

و لهم أن یتخیلوا کیف أن ذلک سیجبر فرقة الشیعة الامامیة الى الانسحاب من الساحة، لتقبع فى زوایا الخمول، و لیؤول أمرها – من ثم – کما آل أمر کثیر غیرها الى الاضمحلال و التلاشى.


1) الملل و النحل ج 1 ص 24.