انتشرت فی هذه المرحلة عقائد خاطئة وتأسّست فرق منحرفة من الالحاد والزندقة والغلوّ، والجبریة، والارجاء عقائد خاطئة ذات اصحاب تدافع عنها ولم تکن کل هذه الإعتقادات ولیدة هذاالظرف بالذات، وانما نشطت فی هذا الجوّ المساعد لنموها، حیث کان بعض الخلفاء یتبنى بعضاً منها ویسمح لانتشار البعض الآخر.
فالغلاة یعتقدون بنبوّة الأئمة، وبعده بالهیة جعفر بن محمد الصادق
والهیة آبائه، وهؤلاء قد تبرّأ منهم الإمام الصادق ولعنهم لعناً مشدداً.
لکن السلطات شجعت من جانب، والصقت التهمة بهم من جانب آخر بهدف التشویه لحقیقة الشیعة، کما استخدموا هذه التهمة فیما بعد ذریعة ومادّة حکم تبرر لهم اضطهاد الشیعة تحت هذا الاسم فأطلقوا على الشیعة اسم زنادقة ویحق للدولة أن تطاردهم.
لقد عاصر الإمام الکاظم (علیه السلام) تیّاراً آخر کان خطیراً على الاُمة حاضراً ومستقبلا وکان قد وقف بوجهه الإمام الصادق(علیه السلام) وحذّر منه الشباب خاصة ألا وهم المرجئة الذین یقولون بتأخیر وارجاء صاحب المعصیة الکبیرة الى یوم القیامة فلا یحکمون علیه بحکم ما فی الدنیا من کونه من أهل الجنة أو من أهل النار.
ویحاول أصحاب هذا الإعتقاد أن یخلطوا الأوراق ویدمجوا بین سلوک الخیر وسلوک الشر فلا یفرّق بین سلوک الإمام علی(علیه السلام) وسلوک معاویة ولا بین موقف الحسین(علیه السلام) وموقف یزید; لان الحکم علیهم فی الدنیا لیس من شؤوننا وانما یترک الأمر لیوم القیامة.
ثم تبنّت هذه الفرقة اعتقاداً آخر لا یقلّ خطورة عن سابقه اذ تکمن خطورته على الشباب خاصة لان هذا الإعتقاد یفسّر معنى الایمان المراد عند الله بأنه الایمان القلبی لا السلوک الخارجی، لان السلوک الخارجی قد یخادع به الانسان فالایمان الذی ینظر إلیه الله تعالى هو الایمان القلبی أمّا الممارسات الخارجیة فلا اعتبار لها، فإذا زنا الانسان أو شرب الخمر أو قتل نفساً فهذه تصرفات خارجیة والمهم أن الانسان یعتقد قلبیاً بالله تعالى.
کما روّج فی هذه الفترة لفکرة الجبر والتی نشأت فی زمن معاویة
واستفاد منها بنو العبّاس حیث تقول بأنا لسنا مخیّرین فی أفعالنا فإذا شاء الله أن نصلّی صلّینا وإذا شاء أن نشرب الخمر شربنا وهکذا.
الملاحظ فی کل هذه العقائد والافکار وأصحابها أنّها تخدم السلطة کل واحدة بطریقتها حیث تبرّر للحکّام تصرفاتهم البعیدة عن الاسلام بأفکار وأحکام اعتقادیة وتهدّئ الجمهور الإسلامی حین توجّهه بهذه الافکار.
من هنا ندرک السبب الذی جعل من الحکام أن یسمحوا بالانتشار لهذه التیّارات الناشئة من أفکار منحرفة جاء بها الیهود وغیرهم الى العالم الإسلامی.
هذا هو عرض مختصر للظواهر والاحداث السیاسیة والثقافیة والفکریة، التی برزت فی عصر المنصور وکان الإمام موسى الکاظم (علیه السلام) معاصراً لها.
أمّا ما هو منهج الإمام وأسالیبه ومواقفه فی خضم هذه الاجواء المملؤة بالشبهات والتهم والتضییق؟!
هذا ما سوف نتناوله فی الفصل الثانی ان شاء الله تعالى.