جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

النقطة الثانیة

زمان مطالعه: 3 دقیقه

لقد شدّدت السلطات فی المراقبة على الشیعة بعد استشهادالإمام الصادق(علیه السلام) وعمّ الارتباک أوساطهم وشحنت الأجواء بالحذر والتحسّب.

وعن هذه الفترة الزمنیة المهمة فی التاریخ الشیعی یحدّثنا هشام بن سالم أحد رموز الشیعة قائلا:

کنا فی المدینة بعد وفاة أبی عبد الله (علیه السلام) أنا ومؤمن الطاق (أبو جعفر) والناس مجتمعون على أنّ عبدالله (الافطح) صاحب (الامام) بعد أبیه، فدخلنا علیه أنا وصاحب الطاق، والناس مجتمعون عند عبدالله وذلک انهم رووا عن أبی عبدالله(علیه السلام): أن الأمر فی الکبیر مالم یکن به عاهة فدخلنا نسأله عمّا کنا نسأل عنه أباه، فسألناه عن الزکاة فی کم تجب؟ قال: فی مائتین خمسة، قلنا:

ففی مائة؟ قال: درهمان ونصف درهم(1)

قلنا له: والله ما تقول المرجئة هذا. فرفع (الافطح) یده الى السماء، فقال: لا، والله ما أدرى ما تقول المرجئة!

قال: فخرجنا من عنده ضُلاّلا، لا ندری الى أین نتوجه أنا وأبو جعفر الأحول(2) فقعدنا فی بعض أزقّة المدینة باکین حیارى لا ندری الى من نقصد والى أین نتوجّه؟!

نقول: (نذهب) الى المرجئة؟ الى القدریة؟ الى الزیدیة؟ الى المعتزلة؟ الى الخوارج(3)

قال: فنحن کذلک اذ رأیت رجلا شیخاً لا أعرفه یومئ الیّ بیده، فخفت أن یکون عیناً (جاسوساً) من عیون أبی جعفر (المنصور الدوانیقی). وذلک أنه کان له بالمدینة جواسیس ینظرون على من اتفق شیعة جعفر (الصادق) فیضربون عنقه، فخفت أن یکون (الرجل الشیخ) منهم.

فقلت لأبی جعفر (مؤمن الطاق): تنح فإنی خائف على نفسی وعلیک، وانما یریدنی (الشیخ) لیس یریدک، فتنحّ عنّی، لا تهلک وتعین على نفسک.

فتنحّى غیر بعید، وتبعت الشیخ، وذلک انی ظننت أنی لا أقدر على التخلص منه، فما زلت أتبعه حتى ورد بی على باب أبی الحسن موسى (الکاظم)(علیه السلام) ثم خلاّنی ومضى، فاذا خادم بالباب فقال لی: اُدخل، رحمک الله. قال: فدخلت فاذا أبو الحسن (الکاظم) (علیه السلام) فقال لی ابتداءً: لا الى المرجئة، ولا

الى القدریة، ولا الى الزیدیة، (ولا الى المعتزلة)، ولا الى الخوارج، الیّ الیّ الیّ.

قال (هشام): فقلت له: جعلت فداک مضى أبوک؟ قال: نعم.

قلت: جعلت فداک مضى فی موت؟ قال: نعم، قلت: جعلت فداک فمن لنا بعده؟ فقال: ان شاء الله یهدیک هداک.

قلت: جعلت فداک، إنّ عبدالله (الافطح) یزعم أنه (إمام) من بعد أبیه فقال: یرید عبدالله ـ الافطح ـ أن لا یعبد الله.

قال: قلت له: جعلت فداک، فمن لنا بعده؟ فقال: ان شاء الله أن یهدیک هداک أیضاً.

قلت: جعلت فداک، أنت هو (الامام)؟ قال: ما أقول ذلک

قلت ـ فی نفسی ـ لم أُصب طریق المسألة (أی أخطأت فی کیفیة السؤال).

قال (هشام): قلت: جعلت فداک، علیک إمام؟ قال: لا. فدخلنی (دخل قلبی) شیء لا یعلمه إلاّ الله اعظاماً له وهیبة، أکثر ما کان یحلّ بی من (هیبة) أبیه (الإمام الصادق) إذا دخلت علیه.

قلت: جعلت فداک، أسألک عمّا کان یُسأل أبوک؟ قال: سل تُخبر، ولا تُذِع (ای لا تنشر الخبر) فان أذعت فهو الذبح.

قال (هشام): فسألته فاذا هو بحر!

قال (هشام): قلت جعلت فداک، شیعتک وشیعة أبیک ضُلاّل، فالقی إلیهم (اخبرهم) وأدعوهم إلیک؟ فقد أخذت علیّ بالکتمان.

فقال (الإمام): من آنست منهم رشداً، فألق علیهم ـ أخبرهم ـ وخذ علیهم

بالکتمان، فان اذاعوا فهو الذبح ـ وأشار بیده الى حلقه ـ»(4)

إنّ هذا الحدیث الذی أدلى به هشام یکشف لنا عدة حقائق:

1 ـ کثرة انتشار الجواسیس، وجو الرعب، والحذر، والخوف، وفقدان الأمن الذی عمّ أبناء الاُمة واخیارها خصوصاً سکان المدینة.

2 ـ کما یکشف لنا عن أنّ اعلان الإمامة لموسى(علیه السلام) وإخبار الشیعة بإمامته، لم یکن ظاهراً لعامة الناس بل کان محدوداً ببعض الخواص من الشیعة(5) بحیث تجد حتى مثل هشام لا یعلم أن الأمر لمن، إلاّ بعد حین، وقد حصل علیه بالطرق الشرعیة والعقلیة، وهذه الممارسات وغیرها جعلت الشیعة تتدرب وتتمرّس على الاسالیب التی تقیها من سیف الظالمین مثل السرّیة والتقیة، لذا نجد الرواة عند نقلهم لاخبار الإمام موسى(علیه السلام) لا یصرّحون باسمه الصریح بل کانوا یقولون: «قال العبد الصالح»، أو «قال السید»، أو «قال العالم» ونحو ذلک.

3 ـ إنّ الخنق الظالم والممنوعات السلطانیة والحبس الفکری وملاحقة من یخالف، وبثّ الاشاعات المضادّة والکاذبة، کل هذه الاُمور خلقت مناخاً یتنفّس فیه الأدعیاء وهواة الرذیلة والذین زاد نشاطهم وشاع صیتهم وتعددت فرقهم فی هذه الفترة فطرحوا أنفسهم قادة للاُمة فی الفکر والفقه والحدیث بتشجیع من الخلیفة. لذا نجد هشام بن سالم فی حدیثه یعدد لنا الفرق فی زمانه حیث یقول: نذهب الى المرجئة؟ الى القدریة؟ الى الزیدیة؟ الى المعتزلة؟ الى الخوارج؟

4 ـ مارس الإمام موسى الکاظم (علیه السلام) اُسلوباً فی هذا الحدیث یُمیزه عن غیره من مدّعی الإمامة (مثل عبدالله الافطح) وذلک باخباره عن الکلام الذی دار بین هشام ومؤمن الطاق فی أحد أزقّة المدینة المنورة حیث قال الإمام لهما: «لا الى المرجئة ولا الى القدریة…. الیّ الیّ الیّ».


1) من الثابت عند المسلمین أن لا زکاة فی أقل من مائتی درهم، ولکن الافطح کان یجهل هذا الحکم.

2) مؤمن الطاق، أبو جعفر، صاحب الطاق والأحول، کلها ألقاب لرجل واحد (محمد بن علی بن النعمان)، اختیار معرفة الرجال: 2 / 425.

3) الإرشاد للمفید: 2 / 221، مدینة المعاجز: 6 / 208.

4) اختیار معرفة الرجال: 2 / 565، ح502، والارشاد: 2 / 221 ـ 222 وعنه فی إعلام الورى: 2 / 16 ـ 17، وکشف الغمة: 3 / 12 و 13، وبحار الأنوار: 48 / 50.

5) منهم زرارة وداود بن کثیر الرقی، وحمران، وأبی بصیر، والمفضل بن عمر وغیرهم.