إنّ وصیة الإمام الصادق(علیه السلام) التی عهد بها أمام الناس لخمسة أشخاص، هم أبو جعفر المنصور، محمد بن سلیمان، وعبدالله، وموسى، وحمیدة، مع کتابة المنصور لعامله فی المدینة بأن یقتل وصیّ الإمام الصادق(علیه السلام) ان کان
معیناً، یتضح ـ من هذه الوصیة مع أوامر المنصور بقتل الوصیّ ـ نوع الطریقة التی کان یتحرک بها المنصور تجاه الإمام موسى(علیه السلام) ثم یتضح أیضاً حجم النشاط وحجم الاهتمام الذی کان یعطیه المنصور للإمام(علیه السلام) لمراقبة حرکته.
ولکن الإمام الصادق(علیه السلام) کان یستشف من وراء الغیب ما تحمله الأیّام المقبلة من أخطار لابنه موسى(علیه السلام) ومن هنا فقد خاطب شیعته بلغة خاصة ضمّنها الحقیقة التی اراد ایصالها الیهم وان کان ذلک یسلتزم الالتباس عند بعض، والتحیّر فی معرفة ولی الأمر من بعده لفترة تقصر أو تطول ; لأن حفظ الوصی وولی عهده والإمام المفترض الطاعة فی تلک الظروف العصیبة کان أمراً ضروریاً بلا ریب لأن استمرار الخط لا یمکن ضمانه إلاّ بحفظ الإمام المعصوم بما یتناسب مع طبیعة تلک الظروف.
ولکن الواعین والنابهین من صحابة الإمام الصادق(علیه السلام) لم تلتبس علیهم حقیقة وصیة الإمام(علیه السلام) التی تضمّنت الوصیة للإمام الکاظم(علیه السلام).
قال داود بن کثیر الرقی: وفد من خراسان وافد یکنّى أبا جعفر، اجتمع إلیه جماعة من أهل خراسان، فسألوه أن یحمل لهم أموالا ومتاعاً ومسائلهم فی الفتاوى والمشاورة، فورد الکوفة ونزل وزار قبر أمیر المؤمنین(علیه السلام)، ورأى فی ناحیة المسجد رجلا حوله جماعة.
فلما فرغ من زیارته قصدهم فوجدهم شیعة فقهاء یسمعون من الشیخ، فقالوا: هو أبو حمزة الثمالی.
قال: فبینما نحن جلوس اذ أقبل اعرابی، فقال: جئت من المدینة، وقد مات جعفر بن محمد(علیه السلام) فشهق أبو حمزة ثم ضرب بیده الارض، ثم سأل الاعرابی:
هل سمعت له بوصیة؟
قال: أوصى الى ابنه عبدالله والى ابنه موسى، والى المنصور.
فقال: الحمد لله الذی لم یُضلّنا، دلّ على الصغیر وبیّن على الکبیر، وستر الأمر العظیم. ووثب الى قبر أمیر المؤمنین(علیه السلام) فصلى وصلّینا.
ثم أقبلت علیه وقلت له: فسّر لی ما قلته؟
قال: بیّن أن الکبیر ذو عاهة ودلّ على الصغیر أن أدخل یده مع الکبیر، وستر الأمر العظیم بالمنصور حتى إذا سأل المنصور: من وصیّه؟ قیل أنت.
قال الخراسانی: فلم أفهم جواب ما قاله(1)
فذهب بعد ذلک الى المدینة لیطّلع بنفسه على الوصی من بعدالإمام جعفر بن محمد(علیه السلام).
1) عوالم العلوم، الإمام الکاظم: 175.