رب هذه العائلة الکریمة هو الامام جعفر الصادق علیهالسلام، الذى طبق ذکره الآفاق منذ ثلاثة عشر قرنا، و یکفیها بذلک شرفا و کرامة؛ بل یکفى بموسى بن جعفر أن یکون أبوه هذا الأب الکبیر الذى هو أب للشیعة کافة، و أب لأکثر المسلمین.
و أمه – علیه و علیهاالسلام – هى حمیدة المصفاة البربریة، التى کانت من أشراف الناس، و اسم أبیها صاعد البربرى. «و قد قال الامام الصادق علیهالسلام، فیما رواه عنه المعلى بن خنیس: حمیدة مصفاة من الأدناس کسبیکة الذهب، ما زالت الأملاک تحرسها حتى أدیت الى کرامة من الله لى و الحجة من بعدى».(1)
«و یظهر من بعض الروایات أن الامام الصادق علیهالسلام کان یأمر النساء فى أخذ الأحکام الیها»(2)
فهى من کرائم النساء، ولکننا لا نعرف تفصیلا عن سبیها و جعلها أمة،
و لا ندرى ملابسات نقلها الى المدینة المنورة، و لم نعرف سوى اسم أبیها الذى یوحى بمعالى العز و الکرامة و المجد… و هل یسبى الا کرائم النساء، و بنات البیوتات الکریمة؟. أما عن کیفیة وصولها الى الامام الباقر علیهالسلام فقد و صلنا حدیث عیسى بن عبدالرحمان الذى قال:
«دخل عکاشة بن محصن الأسدى على أبىجعفر – الباقر – علیهالسلام، و کان أبوعبدالله – الصادق – علیهالسلام قائما عنده. فقال لأبى جعفر علیهالسلام: لأى شىء لا تزوج أباعبدالله، فقد أدرک التزویج؟.
قال – و بین یدیه صرة مختومة -: أما انه سیجىء نخاس من أهل بربر، فینزل دار میمون، فنشترى له بهذه الصرة جاریة.
قال – عکاشة -: فأتى لذلک ما أتى، فدخلنا یوما على أبىجعفر علیهالسلام، فقال: ألا أخبرکم عن النخاس الذى ذکرته لکم؟. قد قدم فاذهبوا و اشتروا منه بهذه الصرة جاریة.
فأتینا النخاس فقال: قد بعت ما کان عندى الا جاریتین مریضتین، احداهما أمثل – أى أحسن صحة و عافیة – من الأخرى.
قلنا: فأخرجهما حتى ننظر الیهما.
فأخرجهما.
فقلنا: بکم تبیعنا هذه المتماثلة؟. – أى التى أوشکت أن تشفى من مرضها -.
قال: بسبعین دینارا.
قلنا: أحسن.
قال: لا أنقص من سبعین دینارا.
قلنا: نشتریها منک بهذه الصرة ما بلغت، و لا ندرى ما فیها.
و کان عنده رجل أبیض الرأس و اللحیة، قال: فکوا. – أى حلوا الصرة وزنوا الدنانیر-.
قال النخاس: لا تفکوا، فانها ان نقصت حبة عن سبعین دینارا، لم أبایعکم.
فقال الشیخ: ادنوا.
فدنونا، و فککنا الخاتم، و وزنا الدنانیر، فاذا هى سبعون دینارا لا تزید و لا تنقص.
فأخذنا الجاریة، فأدخلناها على أبىجعفر علیهالسلام، و جعفر قائم عنده؛ فأخبرنا أباجعفر بما کان.
فحمدالله و أثنى علیه، ثم قال لها: ما اسمک؟
قالت: حمیدة.
فقال: حمیدة فى الدنیا، محمودة فى الآخرة. أخبرینى عنک، أبکر أنت أم ثیب؟.قالت: بکر.
قال: و کیف و لا یقع فى ید النخاسین شىء الا أفسدوه؟!.
فقالت: قد کان یجئنى، فیقعد منى مقعد الرحل من المرأة، فیسلط الله علیه رجلا أبیض الرأس و اللحیة، فلا یزال یلطمه حتى یقوم عنى. ففعل بى مرارا، و فعل به الشیخ مرارا.
فقال: یا جعفر، خذها الیک. فولدت خیر أهل الارض، موسى بن جعفر علیهالسلام»(3)
و الشیخ الأبیض الرأس و اللحیة هو هذا الذى حضر بیعها بنفسه، و قد کان یعلم مسبقا ما فى الصرة من الدنانیر و مبلغ المال بالضبط… و هو هو هذا الذى رافقها من المغرب الى الجزیرة العربیة، و قد حرسها بأمر الله تعالى لأنها مرصودة لولى کریم من أولیائه، فلا یصل الیها من أحد سوء.
و الشیخ هو هو أیضا الذى کان یلطم النخاس و یصرفه عنها، لأنه الملک الحارس المستأمن على حراستها من قبل الله عزوجل – کما ذکر الامام الصادق علیهالسلام فیما سبق – و کان لا یظهر لأعین الناس الا فى مناسبات هامة یترب علیها أمر صونها و حراستها و ایصالها الى بیت مالکها الذى کتب الله له ایاها طاهرة مطهرة معدة لما قضاه الله عز اسمه من الأمر العظیم حیث تکون زوجة امام و أم امام، علیهاالسلام.
و مثل أم الامام الکاظم علیهالسلام، زوجته الکریمة التى ولدت له الامام الرضا علیهالسلام، فان لها قصة تشبه قصة أمه العظیمة. فهى من أمهات الأولاد الشریفات المخصصات من عندالله تعالى، لانجاب الأمجاد من الأولاد. فقد رویت قصة وصولها الى الامام الکاظم علیهالسلام عن هشام بن أحمد الذى قال:
«قال لى أبوالحسن الأول: هل علمت أحدا من المغرب معه جوار قد قدم؟
قلت: لا.
قال: بلى، قد قدم رجل فانطلق بنا.
فرکب و رکبت معه حتى انتهینا الى الرجل، فاذا رجل من أهل المدینة معه رقیق.
فقلت له: أعرض علینا.
فعرض علینا سبع جوار. و کل ذلک یقول أبوالحسن علیهالسلام: لا حاجة لى فیها. ثم قال: أعرض علینا.
فقال: ما عندى الا جاریة مریضة.
فقال له: ما علیک أن تعرضها؟!.
فأبى علیه، فانصرف.
ثم أرسلنى من الغد فقال: قل له: کم کان غایتک فیها؟. فاذا قال کذا و کذا، فقل: قد أخذتها.
فأتیته، فقال: ما کنت أرید أن أنقصها من کذا و کذا.
فقلت: قد أخذتها.
فقال: هى لک. ولکن أخبرنى عن الرجل الذى کان معک بالأمس؟.
فقلت: رجل من بنىهاشم.
قال: من أى بنىهاشم؟.
فقلت: ما عندى أکثر من هذا.
فقال: أخبرک عن هذه الوصیفة أنى اشتریتها من أقصى المغرب، فلقیتنى امرأة من أهل الکتاب فقالت: ما هذه الوصیفة منک؟.
قلت: اشتریتها لنفسى.
قالت: ما ینبغى أن تکون هذه عند مثلک. ان هذه الجاریة ینبغى أن تکون عند خیر أهل الأرض، فلا تلبث عنده الا قلیلا حتى تلد منه غلاما ما یولد بشرق الأرض و لا بغربها مثله.
قال – أى هشام -: فأتیته بها، فلم تلبث عنده الا قلیلا حتى ولدت الرضا علیهالسلام»(4)
فهؤلاء النجیبات من النساء لا تخلوا منهن الأرض، و تتصرف بهن مشیئة الله عز اسمه، لتأتى بهن الى البیوت الکریمة المعدة لهن، بطریقة الاماء أو غیرها، و لا یبقین عرضة للزواج فى بلادهن.
فهن من بیوتات کریمة یکثر خطابهن، و یتزاحمون على الزواج بهن، و لذلک یقیض الله سبحانه لهن ظروفا خاصة تنحیهن عن وجوه طالبى الزواج حتى یتیسر لهن الوصول الى البیوت التى خلقن لیکن فیها. و لیس من السهل أن نعلل صنع الله فى کل حین.
و أما أولاد الکاظم علیهالسلام، فقد قال الشیخ المفید رحمه الله عنهم:
«کان لأبىالحسن علیهالسلام سبعة و ثلاثون ولدا، ذکرا و أنثى، تسعة عشر ذکرا، و ثمانى عشرة بنتا.
منهم الامام على بن موسى الرضا علیهالسلام، و ابراهیم، و العباس، و القاسم لأمهات أولاد شتى.
و اسماعیل، و جعفر، و هارون، و الحسن لأم ولد.
و أحمد، و محمد، و حمزة، لأم ولد.
و عبدالله، و اسحاق، و عبیدالله، و زید، و الفضل، و الحسین، و سلیمان، و عقیل لأمهات أولاد.
و فاطمة الکبرى، و فاطمة الصغرى، و رقیة و حکیمة، و أم أبیها، و رقیة الصغرى، و أمجعفر، و لبانة، و زینب، و خدیجة، و علیة، و آمنة، و حسنة، و بریهة، و عائشة، و أمسلمة، و میمونة، و أمکلثوم، لأمهات أولاد.
و کان أفضل ولد أبىالحسن موسى علیهالسلام، و أنبههم، و أعظمهم قدرا، و أجمعهم فضلا، أبوالحسن، على بن موسى الرضا علیهالسلام»(5)
و قیل: انهم عشرون ذکرا، و ثمانى عشرة بنتا؛ فذکر عددهم مع اختلاف فى أسماء خمسة منهم مع زیادة واحد(6)
و قیل انهم أربعون ولدا، عشرون ذکرا، و عشرون بنتا بینهن أربع فواطم.(7)
أما ابنه أحمد فکان کریما، جلیلا، ورعا، و کان أبوه یحبه و یقدمه؛ و قد وهب له ضیعته المعروفة بالیسیریة. و یقال ان ابنه أحمد أعتق ألف مملوک.(8)
قال اسماعیل بن موسى الکاظم علیهالسلام:
«خرج أبىبلده الى بعض أمواله – أى أراضیه – بالمدینة. فکنا فى ذلک المکان و کان مع أحمد بن موسى عشرون رجلا من خدم أبى وحشمه.
ان قام أحمد قاموا معه، و ان جلس أحمد جلسوا معه، و أبى بعد ذلک یرعاه ببصره ما یغفل عنه، و ما انقلب حتى انتحى أحمد بن بیننا.(2)
و هذا الحدیث عن أحمد من أخیه، یدل دلالة قاطعة على مهابته و قوة شخصیته من جهة، و على عنایة أبیه علیهالسلام به من جهة ثانیة.
«و کان محمد بن موسى – أیضا – من أهل الفضل و الصلاح»(2)
«و کان صاحب وضوء و صلاة. و کان لیله کله یتوضأ و یصلى، فیسمع من عنده سکب الماء، ثم یصلى ماشاءالله له أن یصلى، ثم یهدأ ساعة و یرتاح فیرقد؛ و یقوم فیسمع صب الماء من جدید، و یصلى، و لا یزال کذلک حتى یصبح. و قد قال راوى هذا الحدیث عنه: و ما رأیته الا ذکرت قوله تعالى: (کانوا قلیلا من الیل ما یهجعون (17))(9)
و کان ابنه ابراهیم شجاعا کریما، و قد تقلد الامرة على الیمن فى أیام المأمون من قبل محمد بن زید، بن على، بن الحسین، بن على بن أبىطالب علیهالسلام، الذى بایعه أبوالسرایا بالکوفة، و مضى الیها ففتحها و أقام مدة الى أن کان من أمر أبىالسرایا ما کان، و أخذ له الأمان من المأمون.
و کان لکل واحد من أولاده علیهالسلام فضل و منقبة مشهورة»(10)
أما ابنه زید، فانه بعد وفاة أبیه، قد خرج على المأمون، فظفر به فبعث به الى أخیه على بن موسى الرضا، فوبخه، و جرى بینهما کلام ذکره القاضى – فى کتاب «الجلیس و الأنیس» فیه أن علیا – الرضا – قال له: سوأة لک یا زید!. ما أنت قائل لرسول الله صلى الله علیه و اله و سلم اذ سفکت الدماء، و أخفت السبل، و أخذت المال من غیر حلة؟!. غرک حمقاء أهل الکوفة، و قول رسول الله صلى الله علیه و اله و سلم: ان فاطمة أحصنت فرجها، فحرم الله ذریتها على النار!.
و هذا لمن خرج من بطنها کالحسن و الحسین فقط، لا لى و لک. والله ما نالها ذلک الا بطاعة الله. فان أردت أن تنال بمعصیة الله ما نالوا بطاعته، انک اذا لأکرم على الله منهم!»(11)
فامامنا علیهالسلام کان یمحض أولاده النصح و الارشاد فى کل مناسبة، و یعطیهم عنایته الأبویة الرشیدة، دائما و أبدا، و لذلک أصبحوا أفذاذا کراما.و قد منحهم من خلقه السمح و صفاته الکریمة ما بوأهم منازل عالیة فى قلوب معاصریهم. و قیل: انه أحضرهم یوما فقال لهم: «یا بنى، انى موصیکم بوصیة من حفظها لم یضع معها: ان أتاکم آت فأسمعکم فى الأذن الیمنى مکروها، ثم تحول الى الأذن الیسرى فاعتذر و قال: لم أقل شیئا، فاقبلوا عذره».(12)
و هذا لعمرى من الخلق العظیم الذى ینشأ علیه الولد لتبنى انسانیته بناء صحیحا… ولکن أین لنا بمثل تسامح الامام الکاظم الذى خلد تسامحه و کظمه للغیظ على الزمن؟!. ولکن ذلک لا یمنعنا من التأثر بهذه الوصیة العظیمة فنکون مسلمین کالمسلمین، لا کاسلام السلاطین.
1) الکافى م 1 ص 477 و الأنوار البهیة ص 153 – 152 و فى ینابیع المودة ج 3 ص 33 ذکر اسم أمه و کثیرا من صفاته، و انظر أعلام الورى ص 286 و تواریخ أهل البیت ص 182 و وفاة الامام موسى الکاظم ص 51.
2) المصدر السابق.
3) الکافى م 1 ص 477- 476.
4) الکافى م 1 ص 487-486 و الارشاد ص 288- 287 و هو فى اعلام الورى ص 299 باختلاف یسیر فى اللفظ، و کذلک فى کشف الغمة ج 3 ص 34 و الاختصاص ص 197.
5) الارشاد ص 287 و کشف الغمة ج 3 ص 26 و 28 و 29 و اعلام الورى ص 207 و ینابیع المودة ج 3 ص 11 و ص 33.
6) کشف الغمة ج 3 ص 6 و 7 و مناقب آل أبىطالب ج 4 ص 324.
7) تذکرة الخواص ص 314.
8) الارشاد ص 284.
9) سورة الذاریات: 17.
10) کشف الغمة ج 3 ص 26 و 27 و الارشاد ص 284 و اعلام الورى ص 301.
11) تذکرة الخواص ص 315-314.
12) کشف الغمة ج 3 ص 8.