و رغم وضوح الأمور لدى غالبیة الشیعة، فانه لا یمکننا غض النظر عن حقیقة: أن الشیعة – و لاسیما غیر العلماء منهم – یواجهون فى هذا الأمر أول مخاض عقائدى عسیر جدا، و فرید من نوعه، و یتعرضون لزلزال عقائدى عنیف من داخل أنفسهم، یزلزل وجودهم، و یهز ضمائرهم من الأعماق..
هذا عدا عما ینشأ عن حدث کهذا، من خلل فى العلاقات، و فى الموقع الذى تحتله هذه الفرقة فى مقابل سائر الفرق و المذاهب. ثم ما یتبع ذلک من تطورات و تحولات على صعید الحرکة الفکریة فى العالم الاسلامى بأسره..
و وضوح قضیة الامامة و شؤونها و قطعیتها لدى الشیعة.. لا یعنى أن لا یتعرض عامة الناس و الضعفاء منهم لهذا الزلزال الخطیر..
بل سیأتى: أن هذا الحدث قد أثر حتى فى بعض کبار الشیعة و علمائهم.. لاسیما و أن الأئمة قد ربوا شیعتهم على احترام الفکر و العقل، فیما یستقل بادراکه، و کان مما تتوافق علیه عقول جمیع البشر.. حتى لیصح القول: انهم أصبحوا عقلیین الى حد کبیر.
ولکنه عقل خاضع لله، عارف بواقع نفسه، واقف على مدى قدراته، لا یدعى لنفسه ما لیس له، و لا یدعى علم ما حجب عنه، و لا یجد الوسیلة الیه..
غیر أن بعض التفصیلات الدقیقة فى قضیة الامامة، تحتاج لمزید من الفکر، و العمق، و الدقة، و الاطلاع على ما کشف عنه عالم الغیب
و الشهادة، بواسطة أنبیائه و أوصیائهم. و هذا ما لا یمکن توفره للکثیرین ممن لم یضربوا فى العلم بسهم وافر، فکیف بالنسبة للعامة من الناس؟
فاذا تجسدت نفس هذه الحالات الخفیة فى نفس الواقع و الأمر، فانها لابد و أن تحدث – فى بادى الأمر على الأقل – زلزالا قویا فى الفکر، و صدمة عمیقة للوجدان.. و لابد من مرور مدة من الزمان، لیعود الفکر و العقل للتصرف فیما لدیه من معلومات، و ادراکات، تمکنه من امتلاک زمام المبادرة، و تولى قیادة مسیرة الانسان، و الهیمنة على مواقفه و حرکاته، ثم تغذیة ضمیره، و الاتصال بوجدانه.