و قد اتجهت هذه النهضة العلمیة الشاملة نحو الترکیز على القواعد القرآنیة الثلاث، التى أشارت الیها الآیة الکریمة: (هو الذى بعث فى الامیین رسولا منهم یتلو علیهم آیاته و یزکیهم و یعلمهم الکتاب و الحکمة و ان کانوا من قبل لفى ضلال مبین)..(1)
و هذه القواعد الثلاث هى:
1- تعلیم أحکام الدین، و نشر معارفه، عملا بقوله تعالى: (یعلمهم الکتاب)..
2- تعلیم الحکمة، و هى معاییر و ضوابط من شأنها تمکین الانسان من أن یأتى بالأمور وفق ما یریده الله تعالى، من حیث انسجام هذه الأمور مع سائر الحقائق التى لها مساس بما تؤدیه من وظائف.
و هذا الأمر یستدعى: اثارة دفائن العقول، و الابتعاد عن الجمود، و اعطاء العقل و الفطرة دورهما، و أصالتهما، و هذه هى: (الحکمة).. التى أشیر الیها فى الآیة المبارکة آنفا..
3- التربیة الروحیة، و تصفیة النفوس، و تهذیب الأخلاق، عملا بقوله تعالى: (و یزکیهم)..
یضاف الى ذلک کله: الاهتمام بتعمیق روح التعبد و الخضوع لأوامر الله تعالى، بهدف حفظ الدین عن التحریف و التأویل غیر المسؤول.
و کان الأئمة صلوات الله و سلامه علیهم یهدفون من وراء ذلک الى تهیئة الأجواء و الظروف المناسبة لاقامة حکم الله سبحانه على الأرض.. فربوا «علیهمالسلام» العلماء و الحکماء و الجیل الواعى و المسؤول.. حتى أصبحت تلک الطلیعة المثقفة و الواعیة، التى رباها الامامان الباقر و الصادق «علیهماالسلام» لها تأثیر قوى و واضح فى التیار الثقافى العام، و هیمنة فکریة على مختلف الفئات تقریبا فى الدولة العباسیة، و قد استمر هذا المد الثقافى العارم حتى عهد الامام الرضا «علیهالسلام»، و بعده…
1) الآیة 2 من سورة الجمعة.