و کانت أول حادثة تحصل بین الامام «علیهالسلام»، و بین المأمون، بعد استقدامه «علیهالسلام» الى بغداد، عفویة و مفاجئة بالنسبة للمأمون، و کان لها وقع الصاعقة علیه، و کان فیها النصر الحاسم و المؤزر بالنسبة للامام «علیهالسلام»..
یقول النص التاریخى: «لما طعن الناس فى المأمون، بعد وفاة الرضا «علیهالسلام» واتهموه، أراد أن یبرى نفسه من ذلک. فلما أتى من خراسان الى بغداد، کاتب الجواد «علیهالسلام» الى المدینة، یستدعى قدومه علیه بالاعزاز و الاکرام.
فلما ورد بغداد اتفق أن المأمون قبل ملاقاته له «علیهالسلام» «خرج الى الصید، فاجتاز بطرف البلد فى طریقه..»(1)
و کان ذلک بعد موت الامام الرضا «علیهالسلام» بسنة(2)، فاجتاز المأمون – والنص لابنشهرآشوب: «بابن الرضا «علیهالسلام»(3)، و هو بین صبیان، فهربوا سواه.
فقال: على به.
فقال: ما لک لا هربت فى جملة الصبیان؟!
فقال: ما لى ذنب فأفر منه، و لا الطریق ضیق فأوسعه علیک، سر حیث شئت.
فقال: من تکون أنت؟!
قال: أنا محمد بن على، بن موسى، بن جعفر، بن محمد، بن على بن الحسین،بن على، بن أبىطالب «علیهمالسلام»..
فقال: ما تعرف من العلوم؟!(4)
قال: سلنى عن أخبار السموات..
فودعه، و مضى، و على یده باز أشهب، یطلب به الصید..
فلما بعد عنه، نهض عن یده الباز، فنظر یمینه و شماله لم یر صیدا، و الباز
یشب عن یده، فأرسله، فطار یطلب الأفق، حتى غاب عن ناظره ساعة، ثم عاد الیه، و قد صاد حیة(5)
فوضع الحیة فى بیت المطعم..
و قال لأصحابه: قد دنا حتف ذلک الصبى فى هذا الیوم على یدى(6)
ثم عاد، و ابنالرضا فى جملة الصبیان.
فقال: ما عندک من أخبار السموات؟!
[و فى نص آخر: «ثم انه کر راجعا الى داره، و ترک الصید فى ذلک الیوم» فلما وصل وجد الصبیان على حالهم، فانصرفوا کما فعلوا أول مرة، و أبوجعفر لم ینصرف، فقال له المأمون: ما فى یدى؟ الخ..].
فقال: نعم یا امیرالمؤمنین، حدثنى أبى عن آبائه، عن النبى، عن جبرائیل، عن رب العالمین، أنه قال: بین السماء و الهواء بحر عجاج، یتلاطم به الأمواج، فیه حیات خضر البطون، رقط الظهور، یصیدها الملوک بالبزاة الشهب، یمتحن به العلماء.
فقال: صدقت، و صدق أبوک، و صدق جدک، و صدق ربک، فأرکبه، ثم زوجه أمالفضل».
و فى نص آخر: «تصیدها بزاة الملوک و الخلفاء، فیختبرون بها سلالة أهل النبوة»..
فلما سمع المأمون کلامه عجب منه، و قال له: «أنت ابنالرضا حقا، و من بیت المصطفى صدقا»(7)
1) جلاء العیون ج 3 ص 106 و یفهم أیضا من الفصول المهمة لابنالصباغ ص 252 و کذلک سائر المصادر التى ستأتى: أنه لم یکن قد رآه بعد.
2) البحار ج 50 ص 91 عن کشف الغمة.
3) و کان عمره یومئذ احدى عشرة سنة أو نحوها البحار ج 50 ص 91.
4) لابد من التأمل کثیرا فى مبادرة المأمون هنا الى سؤاله عما یعرفه من العلوم، بمجرد أن أخبره باسمه و نسبه.
5) فى المصادر الأخرى: أنه صاد سمکة.
6) لم ترد هذه العبارة فى المصادر الأخرى.
7) المناقب لابنشهرآشوب ج 4 ص 388 و 389، و البحار ج 50 ص 56 و 92. و لتراجع هذه القضیة أیضا فى: کشف الغمة ج 3 ص 134 عن ابنطلحة، و ص 135 و جلاء العیون ج 3 ص 107 و الصواعق المحرقة ص 204 و نور الأبصار ص 161 و الصراط المستقیم ج 2 ص 202 و ینابیع المودة ص 365 و الاتحاف بحب الأشراف ص 170 – 168 و الفصول المهمة للمالکى ص 253 – 252. و الامام الجواد لمحمد على دخیل ص 74 عن أخبار الدول ص 116.