و یقول مؤلف کتاب عیون المعجزات و غیره: «.. لما قبض الرضا «علیهالسلام» کان سن أبىجعفر نحو سبع سنین؛ فاختلفت الکلمة بین الناس ببغداد، و فى الأمصار. واجتمع الریان بن الصلت، و صفوان بن یحیى و محمد بن حکیم، و عبدالرحمن بن الحجاج، و یونس بن عبدالرحمن، و جماعة من وجوه الشیعة، و ثقاتهم، فى دار عبدالرحمن بن الحجاج فى «برکة زلول» یبکون، و یتوجعون من المصیبة..
فقال لهم: یونس بن عبدالرحمن: دعوا البکاء من لهذا الأمر؟ و الى من نقصد بالمسائل الى أن یکبر هذا.. یعنى: أباجعفر «علیهالسلام».
فقام الیه الریان بن الصلت، و وضع یده فى حلقه، و لم یزل یلطمه، و یقول له: أنت تظهر الایمان لنا، و تبطن الشک و الشرک، ان کان أمره من الله، فلو أنه کان ابن یوم واحد، لکان بمنزلة الشیخ و قوته، و ان لم یکن من عند الله، فلو عمر ألف سنة فهو واحد من الناس. هذا مما ینبغى أن یفکر فیه؟..
فأقبلت العصابة علیه تعذله و توبخه. و کان وقت الموسم، فاجتمع من فقهاء بغداد و الأمصار، و علمائهم ثمانون رجلاً؛ فخرجوا الى الحج، و قصدوا المدینة، لیشاهدوا أباجعفر؛ فلما وافوا..
تقول الروایة التى أوردها فى المناقب و البحار (و النص للبحار)(1):
«فجئنا و دخلنا القصر، فاذا الناس فیه متکابسون، فجلسنا معهم، اذ خرج علینا عبدالله بن موسى، شیخ، فقال الناس: هذا صاحبنا..
فقال الفقهاء: قد روینا عن أبىجعفر، و أبىعبدالله «علیهماالسلام»: أنه لا تجتمع الامامة فى أخوین بعد الحسن و الحسین «علیهماالسلام»، فلیس هذا صاحبنا، فجاء حتى جلس فى صدر المجلس.
فقال رجل: ما تقول أعزک الله فى رجل أتى حمارة؟
فقال: تقطع یده، و یضرب الحد، و ینفى من الأرض سنة.
ثم قام الیه آخر، فقال: ما تقول آجرک الله فى رجل طلق امرأته عدد
نجوم السماء؟
قال: بانت منه بصدر الجوزاء، و النسر الطائر، و النجم الواقع..
فتحیرنا فى جرأته على الخطأ، اذ خرج علینا أبوجعفر «علیهالسلام»، و هو ابن ثمان سنین، فقمنا الیه، فسلم على الناس، و قام عبدالله بن موسى من مجلسه، فجلس بین یدیه، و جلس أبوجعفر «علیهالسلام» فى صدر المجلس، ثم قال: سلوا رحمکم الله.
فقام الیه الرجل الأول، و قال: ما تقول – أصلحک الله – فى رجل أتى حمارة؟ قال: یضرب دون الحد، و یغرم ثمنها، و یحرم ظهرها و نتاجها، و تخرج الى البریة، حتى تأتى على منیتها، سبع أکلها، ذئب أکلها..
ثم قال بعد کلام: یا هذا، ذاک الرجل ینبش عن میتة، یسرق کفنها، و یفجر بها، و یوجب علیه القطع بالسرق، و الحد بالزنى، و النفى، اذا کان عزبا، فلو کان محصنا لوجب علیه القتل و الرجم..
فقال الرجل الثانى: یابن رسولالله «صلى الله علیه و آله»، ما تقول فى رجل طلق امرأته عدد نجوم السماء؟
قال: تقرأ القرآن؟
قال: نعم.
قال: اقرأ سورة الطلاق الى قوله: (و أقیموا الشهادة لله)(2)
یا هذا لا طلاق الا بخمس: شهادة عدلین، فى طهر، من غیر جماع، بارادة و عزم..
ثم قال بعد کلام: یا هذا، هل ترى فى القرآن عدد نجوم السماء؟
قال: لا..» (الخبر)..
و فى نص آخر یقول الراوى: بعد أن ذکر أن عبدالله بن موسى أجاب بغیر الواجب:
«فورد على الشیعة ما حیرهم و غمهم، واضطربت الفقهاء، و قاموا، و هموا بالانصراف، و قالوا: لو کان أبوجعفر یکمل جواب المسائل لما کان من عبدالله ما کان، من الجواب بغیر الواجب..».
ثم تذکر الروایة: أن الناس بعد أن أجابهم أبوجعفر «علیهالسلام» بالحق، فرحوا، و ألحوا علیه بمسائلهم..
ثم تذکر الروایة: ما جرى بینه و بین أسحاق بن أبراهیم، فلیراجعها من أراد(3)
و بعد.. فانه اذا کانت تلک هى حال حتى بعض العلماء والفقهاء، من أمثال یونس بن عبدالرحمن – و هو من أصحاب الاجماع – ذلک الرجل. الکبیر، و الثابت القدم فى موالاة أهل البیت «علیهمالسلام».. فکیف اذن تکون حال الآخرین، ممن لم یستضیؤا بنور العلم، و لا یملکون قناعات ثابتة و مرکزة فى کثیر من العقائد، و لاسیما فى الأمور التفصیلیة منها؟!.
و قد لاحظنا: أن الریان بن الصلت قد واجهه بالقواعد الثابتة، التى تزیل کل شبهة، و تقطع کل عذر..
کما و یلاحظ أیضا: أن الأسئلة التى طرحت لمعرفة الامام قد کانت من الأسئلة التى لا تنال أجوبتها بالعقول، بل تحتاج الى تعلیم و توقیف.
1) المناقب ج 4 ص 382 – 384 و البحار ج 50 ص 90 و 91 و راجع ص 85 و 86.
2) الآیة 2 من سورة الطلاق.
3) عیون المعجزات ص 121 – 119، و اثبات الوصیة ص 215 – 213 و دلائل الامامة ص 206 – 204 و 212 و البحار 50 ص 100 – 99 و قاموس الرجال ج 9 ص 499. و ذکر جانب من هذه القضیة أیضا فى البحار ج 50 ص 92 – 91 و 86 – 85 و المناقب لابنشهرآشوب ج 4 ص 383 – 382 عن الجلاء و الشفاء، و الاختصاص للشیخ المفید ص 102.