جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

الإمام موسى الکاظم فی ظل أبیه

زمان مطالعه: 3 دقیقه

لقد تمیّزت المرحلة التی نشأ فیها الإمام موسى الکاظم (علیه السلام) وعاصرها مع أبیه ـ منذ ولادته سنة (128 هـ) حتى وفاة أبیه سنة (148 هـ) بعدّة منعطفات تاریخیّة ونشاطات نوعیة من قبل الإمام الصادق (علیه السلام) حیث استطاع بقدراته الإلهیّة وحنکته الربانیّة أن یتجاوز تلک التحدّیات، ویرسم الخط الإلهی الأصیل ویُنجز مهامّ الإمامة ویهیئ لولده الإمام الکاظم(علیه السلام) الطریق لکی یمارس دوره المستقبلی.

ولمّا کنّا بصدد إلقاء الضوء على أهم ما امتازت به حیاة الإمام الکاظم مع أبیه (علیهما السلام) لنتصوّر من خلالها الأدوار المقبلة له أثناء تصدّیه للإمامة کان من الأهمیّة أن نلخّص الظواهر البارزة فی هذه المرحلة من حیاته مع أبیه (علیه السلام) کما یلی:

1 ـ ظاهرة التمرّد على السلطة والاعتقاد بأهمیّة الثورة، والندم على موقف السکوت أمام الباطل، والدعوة للعلویین الذین یشکّلون الخط المناهض للحکم الاُموی، فظاهرة التمرّد أفقدت المرکزیة للسلطة وانتهت الى عدم الطاعة للاُمراء، حتى أصبح شعار الدعوة الى الرّضى من آل محمد(صلى الله علیه وآله) فی هذه المرحلة حدیث الساعة الذی کان یتداوله الناس هنا وهناک.

وهذه الظاهرة أتاحت للإمام الصادق (علیه السلام) أن ینفذ من خلالها لتطبیق برنامجه ما دامت السلطة مشغولة بالاضطرابات التی خلّفتها الثورة الحسینیة.

2 ـ فی هذه الفترة ظهرت على المسرح السیاسی مقدمات نشوء الدولة العبّاسیة، حیث استغلّ العبّاسیون هذه الأجواء وعقدوا اجتماعهم بالأبواء وقرّروا فی ظاهر الأمر أن یکون الخلیفة محمداً ذا النفس الزکیة وروّجوا الدعوة للرّضى من آل محمّد(صلى الله علیه وآله) لکنهم دعوا الناس الى البیعة للعبّاسیین سرّاً، وعیّن إبراهیم الإمام فی حینها غلامه أبا مسلم الخراسانی قائداً عسکریاً على خراسان وأوصاه بالقتل والإبادة الجماعیة والأخذ على الظِنّة والتهمة لخصومه الاُمویین.

وکان موقف الإمام الصادق (علیه السلام) من هذه الحرکة العبّاسیة هو الحیاد وعدم المشارکة فیها وعدم دعمها وإخباره وتنبّؤه بنتائجها، مع عدم توفر الظرف الملائم للثورة العلویة وذلک لفقدان الشروط الموضوعیة لها، وقد تجلى ذلک بوضوح من خلال مواقفه(علیه السلام) من العروض التی تقدّم بها قادة الدعوة العبّاسیة للإمام (علیه السلام) أمثال أبی سلمة وأبی مسلم الخراسانی حیث صرّح لهم مرّة بأن الزمان لیس بزمانه، ومرّة اُخرى أحرق الرسالة التی وصلته من أحدهم. لقد کانت عروضاً سیاسیّة مصلحیة وکان الإمام(علیه السلام) یدرک خلفیّاتها. وبهذا تخلّص الإمام(علیه السلام) من هذه المنزلقات وخلّص شیعته لیفتح لهم آفاقاً أرحب للعمل والجهاد فی سبیل الله تعالى.

3 ـ ترکّزت نشاطات الإمام الصادق (علیه السلام) نحو البناء الخاص ومعالجة التحدّیات التی کانت تعصف بالوجود الشیعی ضمن عدّة اتّجاهات:

أ ـ التغییر الثقافی والفکری: حین قرّر الإمام (علیه السلام) لزوم الحیاد السیاسی کان قد أعدّ برنامجه الذی یستوعب عن طریقه طاقات الاُمة ویلبّی حاجاتها

الاجتماعیة والأخلاقیة من خلال جامعة أهل البیت(علیهم السلام) والتی أسّسها وطوّرها کی یتمکّن عن طریقها من مواجهة المدّ الفکری المنحرف الذی روّج له الامویون. وبسبب عجز التیّار السیاسی عن معالجة الانحرافات استقطب مختلف الشرائح والاتجاهات، وتشکّلت لهذه الجامعة فروع فی البلاد الإسلامیة وأصبحت تیّاراً ثقافیّاً یروّج للاتجاه الجعفری الذی کان یمثّل خطّ أهل بیت الرسالة، وکان للإمام الکاظم(علیه السلام) دور بارز فی مدرسة أبیه (علیه السلام) فی هذا الظرف بالذات.

ب ـ وفی الوقت الذی کان الإمام(علیه السلام) یطور هذا التیّار الفکری کان یهیّء الأذهان الخاصّة لقبول قیادة الإمام الکاظم(علیه السلام) والإیمان بإمامته فقد جاء عن المفضّل بن عمر أنه قال: کنت عند أبی عبدالله (علیه السلام) فدخل أبو ابراهیم موسى وهو غلام فقال لی أبو عبدالله (علیه السلام): استوص به وضع أمره عند من تثق به من أصحابک(1)

ج ـ وتحرّک الإمام الصادق (علیه السلام) لقطع الطریق أمام الدعوات المشبوهة التی کانت تهدف إلى تمزیق وحدة الصفّ الشیعی وتطرح نفسها کبدیل للإمام (علیه السلام)، فمن أسالیبه (علیه السلام) خلال مواجهته للتیّار الإسماعیلی إخباره الشیعة بأنّ إسماعیل لیس هو الإمام من بعده، وعندما توفّی إسماعیل أحضر الإمام الصادق (علیه السلام) حشداً من الشیعة لیخبرهم بحقیقة موت إسماعیل لئلاّ یستغلّ المنحرفون موت إسماعیل لتمزیق الکیان الشیعی بالتدریج.

4 ـ عاصر الإمام الکاظم (علیه السلام) معاناة أبیه الصادق(علیه السلام) وشاهد الاستدعاءات المتکرّرة له من قبل المنصور حتى استشهاده(علیه السلام) بعد الوصیة

لابنه الإمام الکاظم(علیه السلام) وإبلاغها لخواصّ شیعته وربط عامّة الشیعة بإمامته.

5 ـ الإمامة منصب ربّانی یتقوّم بجدارة الإنسان المرشّح للإمامة وقابلیته لتحمّل أعباء هذه المسؤولیة الکبرى، ولهذا یعتبر فیها الاجتباء الربّانی والاصطفاء الإلهی، ومن هنا کان النصّ على کل واحد من الأئمة ضرورة لابدّ منها.

والنصوص العامّة والخاصّة قد بلّغها الرسول(صلى الله علیه وآله) الى صحابته وأهل بیته وتناقلتها کتب الحدیث والأخبار. ولکن النصوص المباشرة من کل امام على الذی یلیه من أبنائه لها ظروفها الخاصّة التی تکتنفها فتؤثر فی کیفیة التنصیص وأسالیب التعبیر ودلالاتها التی تتراوح بین الإشارة تارة والتصریح تارة اُخرى.

ومن یتابع نصوص الإمام الصادق(علیه السلام) على إمامة ابنه أبی الحسن موسى الکاظم(علیه السلام) ویلاحظها بتسلسلها التاریخی یکتشف جانباً من أسالیب الإمام الصادق وإضاءاته المکثّفة تجاه تقریر إمامة ابنه أبی الحسن موسى من بعده مراعیاً فیها تقلّبات وتطوّرات الواقع الاجتماعی الذی عاشه الإمام(علیه السلام) خلال عقدین من الزمن قبل وفاته أی من حین ولادة ابنه موسى والذی ولد من اُمّ ولد أندلسیّة فی الوقت الذی کان قد ولد له أبناء آخرون من زوجته فاطمة بنت الحسین الأصغر (الأثرم) عمّ الإمام الصادق(علیه السلام) فکان أکبرهم اسماعیل والذی کان یحبّه أبو عبدالله حبّاً شدیداً، وکان قوم من شیعته یظنون أنّه القائم بعد أبیه.

وقد توفّی اسماعیل سنة (142 هـ) وکان عبدالله بن جعفر المعروف بالأفطح أکبر أولاد الصادق بعد أخیه اسماعیل.

ومن هنا کان النصّ على إمامة موسى تکتنفه ملابسات عدیدة بعضها

تعود الى أبناء الإمام وبعضها الى أصحابه وجملة منها ترتبط بالوضع السیاسی القائم آنذاک.

من هنا نقف قلیلاً عند نصوص الإمام الصادق على إمامة ابنه موسى(علیهما السلام) مراعین تسلسل صدورها قدر الإمکان.


1) اُصول الکافی: 1 / 308، ح 4، والارشاد: 2 / 216.