و نحن اذا أخذنا مکانة أبىبکر، و عمر فى الناس بنظر الاعتبار من جهة، و أخذنا بنظر الاعتبار أیضا: أن الامامة لأهل البیت «علیهمالسلام» معناها رفض امامة غیرهم و اعتبارهم معتدین و غاصبین، فاننا نعرف أن طرح هذه الأسئلة على الامام «علیهالسلام» قد جاء فى سیاق خطة تحریضیة ماکرة و خبیثة، و ذلک لأن الامام «علیهالسلام»، اذا قبل بتلک
الکرامات و الفضائل، التى تنسب الى أبىبکر و عمر، فانه یکون قد نقض الأساس الذى تقوم علیه امامته و امامة آبائه الطاهرین.
کما أن الکثیرین من شیعته و أتباعه لسوف یرتابون بالأمر، لعلمهم بأن ذلک خلاف ما عرفوه عنه و عن آبائه «علیهمالسلام»، و خلاف ما ثبت لدیهم فى هذا المجال.. و قد لا یمکنهم تفسیر ذلک على أساس مبدأ العمل بالتقیة، لأنهم یرون أنه فى موضع القوة، و یرون أن المأمون معه و الى جانبه، و هذا سوف یوقعه فى تناقض صریح معهم.
أضف الى ذلک: أن أتباع الخلفاء سوف یعتبرون هذا نصرا لهم، و سیتمکنون من خداع الکثیرین بهذا الاعتراف الصریح..
و اذا أنکر تلک الفضائل وردها، فان عامة الناس و أرباب سائر الفرق، سوف یثورون ضده، و لعل ذلک یتم بتحریض خفى من المأمون نفسه، و قد لا یرضیهم حینئذ ابعاده عن موقعه، الذى ترى السلطة نفسها مضطرة لأن تضعه فیه..فیطالبون بما هو أشد و أعظم، و أخطر و أدهى، لیس بالنسبة لشخص التقى الجواد «علیهالسلام» و حسب، و انما بالنسبة لکل أتباعه و محبیه فى سائر الأقطار و الأمصار..
ولکننا نجد الامام «علیهالسلام» قد استطاع فى اجابته على تلک الأسئلة أن یحتفظ بخطه الصحیح و یعطى رأیه الصائب فى الأمور التى طرحت علیه من جهة، و أن یسد الطریق أمام ظهور أى تشنج غیر مسؤول، سواء على مستوى العامة من الناس، أم على مستوى أهل العلم و المعرفة، الذین یخالفونه فى الرأى فى هذه المسائل، من جهة أخرى.
بالاضافة: الى أنه لم یبق أى مجال لاستغلال غیر مسؤول، من قبل من کانوا یترصدون الفرصة لذلک.. و على رأسهم المأمون العباسى بالذات..
حیث انه علیه الصلاة والسلام قد طرح القضیة بشکل علمى هادىء، قائم على الاستدلال والمنطق، الذى لن یجد أحد عنه محیصا، مع الترکیز على التهذیب فى الکلمة، و الرصانة فى التعبیر، و فى الأسلوب و السجاحة و السماحة فى الأخلاق..