لقد عانى الإمام الکاظم(علیه السلام) أقسى ألوان الخطوب والتنکیل، فتکبیل بالقیود، وتضییق شدید فی التعامل معه ومنعه من الاتصال بالناس، وأذى مرهق، وبعد ما صبّ الرشید علیه جمیع أنواع الأذى أقدم على قتله بشکل لم یسبق له نظیر محاولا التخلص من مسؤولیة قتله وذهب أکثر المؤرخین والمترجمین للإمام الى أن الرشید أوعز الى السندی بن شاهک الأثیم بقتل الإمام(علیه السلام) فاستجابت نفسه الخبیثة لذلک وأقدم على تنفیذ أفضع جریمة فی الإسلام فاغتال حفید النبی العظیم(صلى الله علیه وآله).
فعمد السندی الى رطب فوضع فیه سماً فاتکاً وقدّمه للإمام فأکل منه عشر رطبات فقال له السندی «زد على ذلک» فرمقه الإمام بطرفه وقال له: «حسبک قد بلغت ما تحتاج الیه».
ولمّا تناول الإمام تلک الرطبات المسمومة تسمّم بدنه وأخذ یعانی آلاماً شدیدة واوجاعاً قاسیة، قد حفت به الشرطة القساة ولازمه السندی بن شاهک
الخبیث فکان یسمعه فی کل مرة أخشن الکلام وأغلظه ومنع عنه جمیع الاسعافات لیعجل له النهایة المحتومة.
وفی الاثناء استدعى السندی بعض الشخصیات والوجوه المعروفة فی قاعة السجن، وکانوا ثمانین شخصاً کما حدّث بذلک بعض شیوخ العامة ـ حیث یقول: أحضرنا السندی فلما حضرنا انبرى إلینا فقال:
انظروا الى هذا الرجل هل حدث به حدث؟ فإنّ الناس یزعمون أنّه قد فُعل به مکروه، ویکثرون من ذلک، وهذا منزله وفراشه موسّع علیه غیر مضیّق، ولم یرد به أمیر المؤمنین ـ یعنی هارون ـ سوءاً وإنما ینتظره أن یقدم فیناظره، وها هو ذا موسّع علیه فی جمیع اُموره فاسألوه.
یقول الراوی: ولم یکن لنا همّ سوى مشاهدة الإمام(علیه السلام) ومقابلته فلما دنونا منه لم نر مثله قطّ فی فضله ونسکه فانبرى إلینا وقال لنا:
«أما ما ذکر من التوسعة، وما أشبه ذلک، فهو على ما ذکر،غیر أنی أُخبرکم أیها النفر أنی قد سقیت السمّ فی تسع تمرات، وانی اصفر غداً وبعد غد أموت».
ولمّا سمع السندی ذلک انهارت قواه واضطرب مثل السعفة التی تلعب بها الریاح العاصفة(1) فقد أفسد علیه ما رامه من الحصول على البراءة من المسؤولیة فی قتله.
1) روضة الواعظین: 1 / 260.